للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما فكرة أهل الحل والعقد التي اصطلح عليها الفقهاء فإنا نجد بينها وبين فكرة السلطة التشريعية تناسباً كبيراً سواءً كان في اختيارهم أو انتخابهم أو في المهام والصلاحيات التي كانت تسند إليهم، ولعل في اختيار النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بين من شهد العقبة نقباء ما يومئ ويشير إلى ذلك، وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: (لو اتفقتما على رأي لما خالفتكما) (١) لأن اتفاق أصحاب الرأي وأصحاب التخصص مما ينبغي الأخذ به وعدم مخالفته، وكذلك اختيار عمر بن الخطاب رضي الله عنه لستة من كبار الصحابة وجعل فيهم الشورى في أمر الخلافة، وقد كان كل واحد منهم يمثل بطناً من بطون قريش وفخذاً كبيراً منها، وكذلك ما كان يصنعه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من جمع الصحابة في أمر نازلة ليس فيها نص ويستشيرهم فيها، وكان يهتدي بالمشورة في كثير من الأمور خاصة منها ما كان يتعلق بالأمور الدنيوية.

وإذا كان الصحابة رضوان الله عليهم قد تشددوا في شؤون العبادات والأمور الدينية الخالصة وسد الباب عن الابتداع في الدين، فإن موقفهم كما يقول الدكتور القرضاوي في المعاملات الدنيوية هو الابتداع والاختراع أي ابتكار الوسائل والأساليب والتقاليد والآليات التي تنهض بالدنيا وترقى بالعمران وتطور الحياة إلى التي هي أحسن وهذا يدخل تحت الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عائشة وأنس (أنتم أعلم بأمور دنياكم) (٢) والحديث الآخر الذي رواه عن جرير بن عبدالله (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .. ) (٣) , وهذا ما جعل عمر يبتكر أموراً كثيرة سميت أولويات عمر، وكان يهتدي في أموره بمشورة الصحابة ولا سيما علي كرم الله وجهه، الذي قال فيه: لولا علي لهلك عمر. (٤)


(١) - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني, مسند الشاميين, حديث (١٧٩٩٠و١٧٣٠٩).
(٢) - أخرجه مسلم في صحيحه باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً حديث (٢٣٦٣).
(٣) - أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة حديث (١٠١٧).
(٤) - د. يوسف القرضاوي: السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها ص ١٢٦ الطبعة الأولى ١٤١٩هـ - ١٩٩٨م - مكتبة وهبة - القاهرة - مصر.

<<  <   >  >>