للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان مكانهم أمام الرسول، وفي الصلاة كان مكانهم خلفه، وبعد الرسول اختصت هذه الهيئة بمنصب الخلافة تتشاور لتحديد اسم الخليفة وتبايعه البيعة الخاصة التي ترشحه للبيعة العامة أي بيعة من عداها من رؤوس المسلمين فمنها كان ترشيح أبي بكر رضي الله عنه والبيعة الخاصة له، ومنها كان التشاور والإتفاق على أن يخلف عمر أبا بكر، ومن بقيتها كان مجلس الشورى الذي اختار عثمان، ومن بقية البقية بدأت البيعة لعلي بعد مقتل عثمان، تلك أولى المؤسسات التي مارست الشورى في السياسة الإسلامية والتي بقيت في التراث لها معالم واضحة، وأن تكون هناك إشارة في بعض المراجع على مجلس للشورى قام على عهد الرسول ضم سبعين عضواً. (١)

ويمكن أن نتفق مع الأستاذ محمد عمارة في كثير مما طرحه عن الشورى وتعدد صور الاجتهاد فيما يمارسه أهل الشورى سواء كان في شكل هيئة ومجلس وجماعة أم في شكل أفراد، وأن الفكر الإسلامي قد فتح باب الاجتهاد على مصراعيه وأتى بفلسفة الشورى لتجعل منها جوهراً لنظام الحكم، وإن اختلفت وتفاوتت اجتهادات المسلمين وفق ظروف المجتمعات التي كان يعيش فيها المجتهدون.

ويتبين من ممارسات أهل الشورى في عصر الصحابة رضوان الله عليهم أن يكون من مهام مجالس الشورى وأهل الشورى التشريع واختيار الحاكم، غير أنه يشترط أن تتوافر في المشير شروطٌ يكون بموجبها أهلاً لأن يمثل الأمة فيما يسند إليه من مهام، فالأمة هي المعنية بوضع الضوابط والقيود والصلاحيات التي تخول لهذه المجالس بحيث لا تتجاوز النصوص الشرعية, أي أنها مقيدة بنصوص الشريعة وضوابطها.

وإذا ما نظرنا إلى النظم المعاصرة الديمقراطية وما يوكل فيها من صلاحيات إلى البرلمانات فسنجد حينئذ أن أوجه التشابه بينها وبين تلك النظم الديمقراطية تتقارب إذا ما أردنا قيامها على أساس الشورى وفقاً للنظام الإسلامي والمنهاج الرباني الذي يقوم على أساس من القسط والعدل.

ولنأت أولاً على بيان أساس هذه المجالس وبيان صلتها بأهل الحل والعقد في النظام الإسلامي.

الأساس الذي يجب أن تبنى عليه مجالس الشورى

إن كان النظام الإسلامي قد جعل الشورى قاعدة وأساساً من أسس نظام الحكم إذ يقول الحق سبحانه وتعالى مبيناً لذلك في سورة الشورى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَأهم يُنْفِقُونَ) (٢) فكلمة وأمرهم شورى بينهم تشير إلى كل ما تحتاج البشرية إلى أن تتشاور فيه، وقد قال بعض العلماء المعاصرين أن كلمة أمرهم التي وردت في النص القرآني تشير إلى كل الأمور ذات الطابع العام ومنها بطبيعة الحال الأسلوب الذي تشكل به الحكومة ورئيسها وهو الخليفة، يضاف إلى ذلك أن آية (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) تعتبر الشورى جزءاً لا يتجزأ من أسلوب الحكم نفسه، وعلى ذلك فإن مهمة سن القوانين في الدولة كما يرى بعض العلماء لا بد وأن تستند إلى مجلس شورى تنتخبه الأمة. (٣)

قلت أو يختار فيه من قبل ولي الأمر, غير أن الاختيار أو الانتخاب لا بد وأن يكون ممن تتوافر فيهم الصلاحية باعتبار أن الشورى قاعدة أساسية ومبدء عام وركيزة أساسية يقوم عليها النظام السياسي الإسلامي فيجب أن يمثل الجميع ويشتركوا فيه كما يفهم من قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) بصيغة الجمع والتقدير القاطع الذي هو في حقيقته أسلوب أمر تقديره (جعلوا) عطفاً على استجابوا وأقاموا فيكون المعنى: ويجعلون أمرهم شورى بينهم. (٤)

فالشورى فرض من فروض الكفاية وطبيعة هذا الفرض عامة إذ أن طلب الكفاية متوجه على الجميع كما يقول علماء الأصول (٥)، ولكن إذا قام البعض بفعله سقط


(١) - د. محمد عمارة: الإسلام وقضايا العصر ١٠٢ - الطبعة الأولى ١٩٨٠م دار الوحدة بيروت - لبنان. بتصرف.
(٢) - الآية (٣٨) من سورة الشورى.
(٣) - محمد أسد: منهاج الإسلام في الحكم - دار العلم للملايين - بيروت - الطبعة ١٩٩٣ ص ٨٩.
(٤) - دكتور داود الباز: الشورى والديمقراطية النيابية, دراسة تحليلية وتأصيلية لجوهر النظام النيأبي - دار الفكر الجامعي - الإسكندرية ص١١٢.
(٥) - انظر الموافقات في أصول الأحكام لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى النجمي الغرناطي المعروف بالشاطبي ص ١١٩ - دار إحياء الكتب العربية - الجزء الأول.

<<  <   >  >>