البراقة وما تحمله من مضامين خاوية على عروشها, في حين كان الإسلام -وهو عقيدة وشريعة- قد نجح بوسطيته وعمق رؤيته في وضع جوهر ما تبحث عنه البشرية من تحقيق للعدل والحرية والكرامة, والخلاص من الاستبداد والقهر السياسي من خلال نظام الشورى الذي يضمن حق كل مواطن في أن يكون له رأيه في من يحكمه أو يتولى أمره (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) , والآية واضحة جلية المعنى, لا تحتاج إلى تفسيرات فضفاضة أو ضيقة, وهي تخص كل مسلم دون استثناء, وتجعل حق الشورى للجميع دون استثناء أيضاً, ونظامها يختلف عن النظم السياسية السائدة في بعض الشعوب التي توصف بالديمقراطية.
إن استلهام الحل الجوهري الكامن في الآية الكريمة (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) تحدد باختصار وبلا تفاصيل مملة الصورة المثلى لنظام الحكم. وإذا كانت الشورى بهذا المفهوم العام الشامل قد عانت من الإهمال في عصور, وتم تعسف مفهومها في عصور أخرى, فإن المجتمعات الإسلامية الجديدة بعد أن اصطدمت بالنظم السياسية المعاصرة قادرة على أن تستخلص ما يحقق لها أقصى معاني العدل والحرية دون أن تتجنب الإفادة من الإيجابيات المتوفرة في النظام السياسي الحديث أو أن تقع في سلبياته التي جعلت العالم كله يتحدث عما يفعله أكثر من أربعين مليون أمريكي أسود في بلد الديمقراطية الأول غير أن يتفرجوا على صراع المؤسسات المالية النافذة وهي لعلها تتاجر بأصواتهم وبأصوات غيرهم دون أن يكون لهم رأي أو موقف.
لقد انشغل السياسيون في العالم الإسلامي على مدى قرن ويزيد في الحديث عن المفهومات المتعارضة بين مصطلحي الشورى والديموقراطية, وسال حبر كثير, وتم استهلاك ما لا يحصى من الورق للتعبير المكرور والممل عن ذلك التعارض, وغاب عن الجميع الاسترشاد بما وصل إليه علماؤنا المجتهدون المستنيرون وما وضعوه من حلول مستخلصة من جوهر المعاني لا من ظاهرها, ومن الغاية المؤدية إلى سعادة البشر وسلامة نهجهم الواقعي الحقيقي في العلاقة بين الحاكم والمحكوم, بين نظام الحكم ومؤسساته والمجتمع الذي يعطيه ولاءه ويعترف بمشروعيته.