للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع ذلك ففي حوالي الأربعين نجده وقد شمله الهم والألم أيضاً، أنه يشك!، إنه لا يشك في وجود الله، فإن ثقته فيه لم تتزعزع أبداً.

ولكنه يشك في نفسه هو!.

فكيف، ولماذا ورد هذا الشك على نفسه؟ لماذا يجد الآن ظل شخصه في حقل تأملاته؟ ولماذا يجد طيف ذاته يتوارد على أعماق نظراته الدينية، حتى ليصبح تقريباً فيها نقطة الارتكاز؟

والسيرة المهتمة بالتفاصيل التاريخية عن حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تقدم أية معلومات عن هذه الحالة النفسية الهامة أيضاً. ولكن لدينا مع ذلك في الآية المذكورة من قبل، وفي تعقيبه على خديجة عندما فاتحته في أمر الزواج، الإجابة على المشكلة التي تواجهنا بها حالة النفس، التي نجده فيها في نهاية اعتزاله.

وعلى الرغم من أن الآية وتفصيل السيرة المذكورة لا يفسران لنا ماهية الشك المحمدي؛ فإنهما يشهدان بأن هذا الشك ليس ناتجاً عن أمل أهوج، أو جنون بالذات، أو تضخم في تلك الذات عند (محمد) عليه الصلاة والسلام.

فنحن مضطرون إلى أن نرى في هذا الشك نتيجة لحالة شخصية عارضة، وجد فيها النبي نفسه فجأة أمام مبادئ شعور، وأمام استشعار لبعض الأشياء الغريبة تمس من قريب مصيره الخاص.

فإلام يعزى هذا الإحساس الذي يطوِّف الآن في أنحاء نفسه، وهو يخز بصورة مؤلمة طبيعة فكره الموضوعية؟ هل كان ذلك مجرد حركة للاشعور، أو إلهاماً بحل قريب وغير عادي للمشكلة؟

إن بعض الفصائل الحيوانية تُلهَم الطوارئ والاضطرابات التي تصيب مساكنها عما قريب، فهذا النمل الأمريكي يغادر مساكنه قبيل اندلاع الحريق

<<  <   >  >>