إن من الواجب ألا نغفل أهمية التأثير السحري للكلمات على بعض العقول ذات التكوين الديكارتي، وخاصة في عصرنا هذا الذي يحتل فيه الأسلوب العلمي مجال الدين. فهناك كلمات ترتدي أقنعة، ولئن عرفت السياسة بعضاً منها، فلقد كان حظ العلم كبيراً، وليس لأحد أن يتصور الخطأ أو العدم الذي تستره هذه الأقنعة، عندما تسيل هذه الكلمات من لعاب قلم مهيب لكاتب كبير، فتطلق كتبه أشباحها لتخطر في عقول كثير من المتعالين، فتزيد من سخافاتها.
وهكذا صار من الشائع في أوساطنا العلمية أن يرجع الباحثون إلى الدراسات الإسلامية التي يقوم بها كتاب، أغرموا بالكتابة في كل شيء؛ فهم يضعون كلمة في مكان حقيقة غابت عنهم، أو لم يحاولوا إدراكها.
وبهذه الطريقة رأينا أن (ذاتاً ثانية) تتدخل في تفسيرهم للظاهرة النبوية، ولا سيما عند (أرمياء)، ذاتاً أكثر من مجردة، وغير حسية، وبعيدة عن الاحتمال، تعد في نظرهم مصدرا لمعلومات الذات الحسية الأصلية. هذه الفكرة الشاذة تذكرنا من قريب بفكرة عزيزة لدى المنجمين هي فكرة (المثل الفلكي)(١).
ولكن لهذه الكلمات الساحرة تأثيراً فعالاً على بعض العقول، أشبه بسحر الصور والرسوم في نظر الأطفال.
(١) المثل الفلكي مأخوذ من فكرة أفلاطون عن عالم المثل وعالم الصور، ولكن بصورة أخرى تناسب أفكار المنجمين الفلكيين. (المترجم)