للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفرض الأول]

هذا الفرض ذو شقين:

أولهما: وجود تأثير يهودي مسيحي في الوسط الجاهلي.

ثانيهما: الطريقة التي تسنى بها لهذا التأثير أن يبرز في الظاهرة القرآنية.

ولكن جميع الأبحاث التي توجهت إلى الكشف عن هذا التأثير في البيئة العربية قبل الإسلام لم تأت بأية نتيجة إيجابية.

وإنما تنعكس صورة هذه البيئة في أدب لغتها المشتركة، وفي أدبها الشعبي الذي يفصح عن أمية عامة، فهي بيئة (أميين) حسب التعبير التاريخي للقرآن.

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة ٢/ ٦٢]

والوثائق المخطوطة عن هذا العصر نادرة، فإن ثروته الفكرية وأدبه الشعبي لم يحفظا إلا بطريق الرواية المشافهة، ذلك الطريق الذي أوصل جوهر التراث إلى عصور الأدب والعلم الإسلامية.

على أن القرآن يعد حجة مخطوطة ذات وثوق تاريخي لا يقبل الجدل، عن العصر الجاهلي. ولكن هذه الوثيقة الوحيدة- تؤيدها الرواية المشافهة- لا تفيدنا بشيء فيما يتعلق (بفكرة توحيدية) ذائعة في الوسط الجاهلي، بل إنها على العكس تؤكد مرات كثيرة أن لا وجود لأي تأثير ديني في العصر الجاهلي. وحين يتجه القرآن مرة أخرى إلى النبي نجده يحدد له مفهوم رسالته قائلاً: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (١) [البقرة ١٥١/ ٢] فها هو ذا قد (عيّن)


(١) لا شك أن النبي قد مرت بوعيه هذه الآية حينما خوطب بها أثناء الوحي كما مر في كلام (انجلز) [ص:١٤٩]. (المؤلف)

<<  <   >  >>