إن عبقرية لغة ما مرتبطة بما تهبه الأرض لبلاغتها الخاصة؛ فطبيعة المكان والسماء والمناخ والحيوان والنبات، هذه كلها خلاقة للأفكار والصور التي تعد تراثاً خاصاً بلغة دون أخرى؛ وهكذا تضع الأرض طابعها على أدوات البلاغة التي يستخدمها شعب ما، كيما يعبر عن عبقرية، وبالتالي فإن النقد الذاتي لأي أدب يجب أن يكشف في هذا الأدب إلى حد ما عن علاقته بعناصر التربة التي ولد فيها.
وكذلك فيما يتصل بتحليل الأسلوب القرآني، فإن هذا التحليل يجب أن يكشف عما يربطه بالتربة العربية.
ولعل المزاج هو العنصر البلاغي الفريد الذي يحدد معالم الأسلوب، ويحدد بصورة ما موقعه الجغرافي، فامرؤ القيس عندما وصف فرسه قال بيته الشهور:
فإذا تأملنا ألفاظ هذا المجاز وجدناه يعبر عن صورتين متماثلتين تماماً مقتبستين من حياة الصحراء وإطارها، فقد استخدمت عبقرية الشاعر العظيم - في بلاغة فطرية- عناصر احتواها الوسط الجغرافي، وهي صورة فرس يعدو، وصورة جلمود صخر حطه السيل. فالبيت عربي في جوهره، لأن الوسط الذي يتمثل فيه وسط عربي طبعه بطابعه الخاص. ولكن المجاز القرآني ليس دائماً ولا غالباً انعكاساً للحياة البدوية في الصحراء. فهو يستمد- على عكس ذلك- عناصره وألفاظ تشبيهاته من بيئات وجواء ومشاهد جد مختلفة، فالأفكار المتصلة