للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالنبات كالشجرة وأنواع الرياض تصور لنا طبيعة أرض كثيفة الزرع، طيبة الهواء، أكثر من أن تصور أرض الصحراء القاحلة الرملية. والأنهار التي تخترق المروج الخضر تذكرنا بالأرض الخصبة على ضفاف النبيل، أو الفرات، أو نهر (الجانج Le Gange) بالهند، أكثر مما تذكرنا بمفازات بلاد العرب. والسحب التي تسوقها الرياح لتحيي الأرض بعد موتها ليست من المشاهد اليومية في سماء بلاد العرب، فإن هذه السماء القارية صافية ملتهبة، حتى كأنها موقد نحاس محمي، عارية عري الصحراء نفسها. وفضلاً عن ذلك فإننا نجد في القرآن صوراً ذهنية كثيرة لا تتصل بسماء الجزيرة ولا بأرضها.

ليس من خطة هذا الكتاب أن ندرس المجاز القرآني، بل أن نبين فقط أهميته في دراسة الظاهرة القرآنية من وجهة نظر نقدية، ولذلك نقدم للقارئ مثالين مقتبسين من سورة النور يوضحان هذه الأهمية.

المثال الأول قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور ٣٩/ ٢٤]

ففي هذه الصورة الأخاذة يتجلى سطح الصحراء العربية المنبسط، والخداع الوهمي للسراب. فنحن هنا أمام عناصر مجاز عربي النوع، فأرض الصحراء وسماؤها قد طبعا عليه انعكاسهما، فليس ما نلاحظه مما يتصل بالظاهرة القرآنية التي تشغلنا، سوى ما نجده في الآية من بلاغة، حين تستخدم خداع السراب المغم، لتؤكد بما تلقيه من ظلال تبدد الوهم الهائل، لدى إنسان مخدوع، ينكشف في نهاية حياته غضب الله الشديد، في موضوع السراب الكاذب ... سراب الحياة.

<<  <   >  >>