فإذا نظرنا إلى حالة النبي، وجدنا أن الوجه وحده هو الذي يحتقن، بينما يتمتع الرجل بحالة عادية، وبحرية عقلية ملحوظة من الوجهة النفسية، ليستخدم ذاكرته استخداماً كاملاً خلال الأزمة نفسها، على حين يمّحي وعي التشنج وذاكرته خلال الأزمة، فالحالة بناء على هذه الملاحظات ليست حالة مرض كالتشنج.
ونضيف أيضاً أن الأعراض الجسمية التي رويت عن النبي لا تظهر إلا اللحظة التي تعتريه فيها الظاهرة القرآنية، وفيها وحدها، أي في اللحظة الخاطفة للوحي.
هذا التلازم الملحوظ بين ظاهرة نفسية في أساسها، وحالة عضوية معينة، هو الطابع الخارجي المميز للوحي.
فمن المحتم أن يكون للنبي في مجموع هذه الأحداث الشخصية موضوع للتفكير، على الأقل في بداية دعوته، من أجل عقله الموضوعي، فما كان له أن يتغافل عن هذه السلسلة من الأحداث الملحوظة كقياس ظاهري خاص بحالته، مهما كانت غير كافية لإصدار حكم نهائي، أو تأسيس اقتناع.
ولتثبيت هذا الاقتناع النهائي، سيمدنا القرآن بمقياس مكمل للمقياس الأول، وبأساس للاقتناع والحكم النهائي لدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
[مقياسه العقلي]
إن (محمداً) أمي، ليس لديه من معرفة البشر سوى ما يمكن أن يمنحه له وسطه الذي ولد فيه.
وفي هذا الوسط الفروسي الوثني البدوي، لا مجال مطلقاً للمشكلات الاجتماعية والغيبية (الميتافيزيقية)، فإن معارف العرب عن الحياة الاجتماعية