إن ارتيادنا القرآن وتأملنا له مع اختلاف مقاصدنا ومع تعلقنا مقدماً بمزاعم المثقفين المحدثين، يبهرنا بنظام أفكاره الغريب، ومادتها العجيبة؛ على أن اهتمامنا قد تزايد منذ بعيد بازدياد سياحتنا في هذا العالم الذي يمتاز بنظامه وهندسته وطبيعته الخاصة، وهو في هذه المعاني جميعاً يشبه دوائر المعارف العلمية أو الكتب التعليمية المعدة لتطبيق خاص. لقد سقطت مزاعمنا تلقائياً، كما تسقط دائماً المزاعم أمام ثورات العلم، أو انقلابات التاريخ، وأمام الانتصارات الساحقة للحق وللخير، ونحن هنا نجد أنفسنا ملزمين (باعتراف) هو اعتراف مثقف أقبل على القرآن بطوية فطرية، كيما يكتشف فيه (كومة) من المعلومات المحددة، كأنه يطلع على أحد المجلدات الفنية. على أن هذا الاعتراف- علاوة على أنه يثقل بتفاصيل شخصية عديمة الجدوى موضوعاً محدوداً- فإنه ربما يكون استطراداً مملاً بالنسبة للخطة المتبعة.
ونحن لن نقول هنا سوى كلمة واحدة هي أن المثقف قد تخلى الآن عن مزاعمه الساذجة، من أجل أن يدخل باهتمام جديد إلى العالم القرآني، تماماً كأنه شخصية من الشخصيات التي نسمع عنها في حكايات الجن، لتجد نفسها معراة عن ملابسها، وليتسنى لها أن تتوغل في عالم السحر والغموض. وإذا كان لا يليق بنا أن نعد القرآن كتاب علم فإننا نلاحظ فيه مع ذلك آيات تحتوي الاهتمامين كليهما: لمسها حقيقة علمية، وإلقاؤها بهذا اللمس مزيداً من الوضوح على علاقة الذات المحمدية بالظاهرة القرآنية. فدراسة بعض هذه الآيات مفيدة إذن من الوجهتين