للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مضمون الرسالة]

إن رحابة الموضوعات القرآنية وتنوعها لشيء فريد، طبقا لتعبير القرآن نفسه {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام ٦/ ٣٨]، فهو يبدأ حديثه من (ذرة الوجود المستودعة باطن الصخر والمستقرة في أعماق البحار) (١) إلى (النجم الذي يسبح في فلكه نحو مستقره المعلوم) (٢)، وهو يتقصى أبعد الجوانب المظلمة في القلب الإنساني، فيتغلغل في نفس المؤمن والكافر بنظرة تلمس أدق الانفعالات في هذه النفس. وهو يتجه نحو ماضي الإنسانية البعيد، ونحو مستقبلها، كيما يعلمها واجبات الحياة، وهو يرسم لوحة أخاذة لمشهد الحضارات المتتابعة، ثم يدعونا إلى أن نتأمله لنفيد من عواقبه عظة واعتباراً.

وإن درسه الأخلاقي لهو ثمرة نظرة نفسية متعمقة في الطبيعة البشرية تصف لنا النقائص التي ينهى عنها، وينفر منها، والفضائل التي يدعونا إلى التأسي بها، من خلال حياة الأنبياء، أولئك الأبطال والشهداء في سجل ملحمة السماء؛ وعلى هذا الأساس يدفع القرآن المؤمن إلى الندم الصادق، حين يعده بالغفران، أساس التربية الجزائية في الأديان السماوية.

أمام هذا المشهد العظيم وقف الفيلسوف (توماس كارليل)، فما تمالك عنه، بل انبعثت من أعماقه صرخة إعجاب بالقرآن فقال: "هذا صدى متفجر من قلب الكون نفسه" (٣) وفي هذه الصرخة الفلسفية، نجد أكثر من فكرة جافة لمؤرخ،


(١) يشير المؤلف بذلك إلى قوله تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان ٣١/ ١٦].
(٢) يشير بذلك إلى قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس ٢٦/ ٤٠]
(٣) توماس كارليل (كتاب الأبطال).

<<  <   >  >>