إن تفكير النبي وإخلاصه وإرادته وذاكرته، وإحساسه وسيطرته على ذاته، ليست هذه كلها لديه كلمات جوفاء، بل إنه على العكس من ذلك، قد أبرز هذه الخصائص الرفيعة بصورة نادرة.
وعليه فإن اقتناعه يبدو لأول وهلة حقيقة لا يمكن إغفالها، هع أننا ملزمون - في مقياسنا الثاني- بأن نستخلص مباشرة نتائجنا عن الظاهرة القرآنية، من تحليلنا للقرآن.
أما الآن، فيجب أن نحاول تتبع العملية التي يصدر عنها الاقتناع الشخصي لدى النبي، فالطريقة التي استطاع بها أن يعكف بنفسه على حالته الخاصة، لا تخرج دون شك عن القواعد التي يخضع لها نشاط فكر موضوعي كفكره.
ولا شك أن الأحداث التي أثرت على جوارحه قد لفتت نظره أولاً للظاهرة، ثم إن فكره المتواصل- دون شك- قد تناول مثل هذه الأحداث لكي يتحقق من موضوعيتها، أعني من مجرد وقوعها على المرآة العاكسة لذاته.
ومن هنا كان النبي بحاجة إلى التثبت من مقياسين يدم بهما اقتناعه:
(أ) مقياس ظاهري للتحقق من وقوع الظاهرة.
(ب) مقياس عقلي لمناقشتها وتسويغها.
[مقياسه الظاهري]
في سن الأربعين، يجد النبي نفسه فجأة موضوعاً لظاهرة غير عادية، فعلى شفا هاوية (حِراء) يسمع للمرة الأولى هذا الصوت:
"يا محمد .. أنت رسول الله ".
فيرتفع بصره نحو الأفق، وإذا بضوء يبهره محيطاً بصورة غير مألوفة. هذا