الواضح أن انفراد النبي بكونه الشاهد الوحيد المباشر على الظاهرة، يخلع على هذه الحقيقة قيمة استثنائية خاصة.
ومن قبيل هذا أننا نجد دراسات هؤلاء الكتاب تعكس تناقضاً مزدوجاً، فهي من ناحية تعد الوحي ظاهرة ذاتية، قولاً واحداً، ومن ناحية أخرى لا تتلقى على هذه الظاهرة شهادة الذات المقترنة بها اقتراناً تاماً. هذا النقص غير المفهوم هو الذي دفعنا إلى أن نبين أولاً، في الفصل السابق القيمة الأدبية والعقلية لهذه الذات، كيما نتلقى- على علم- شهادتها باعتبارها شرطاً يجلي مشكلة الوحي النفسية.
وهكذا نحاول أن نضيف إلى معرفتنا الشخصية- رأي هذه الذات الخاص في نفسها، وفي الظاهرة التي نبحثها، ذلك الرأي الذي ينعكس بكل وضوح في اقتناعها النهائي. فالأمر على هذا يقتضي أن نتناول هذا الاقتناع- الذي ندرسه في نطاق قيمته العقلية- بوصفه برهاناً مباشراً على الظاهرة القرآنية، وعلى صفتها العلوية. وهذه القيمة العقلية مرتبطة بالطريقة التي تنشئ الاقتناع في نفس النبي.
هل كان هذا الاقتناع تلقائياً أو ناشئاً عن تفكير؟ ..
لقد رأينا في الفصل السابق كم عانى النبي من الشك في نفسه، في نهاية عزلته، بينما كان استشعاره لحل أزمته القريب يؤرقه.
هذا الواقع الثابت يمنعنا من أن نرى في اقتناعه ظاهرة تلقائية، فهو يبدو - على العكس- النتيجة التقدمية المطردة لتفكير واع، وبحث دقيق متردد للوقائع، واستبطان متغلغل في أعماق الضمير.
فلنا أن نعده نتيجة لبعض العمليات العقلية التي تشترك فيها العوامل النفسية، تلك التي ندرك قيمتها السامية عند محمد - صلى الله عليه وسلم -.