على الرغم من أن هذا الفصل قد يبدو غريباً بالنسبة للقياس الأول، فإننا نورده هنا لأن الوحي عنصر رئيسي في نظر الناقد الذي يريد أن يدرس الظاهرة القرآنية بالنسبة للذات الواعية عند محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فكيف أدرك الرسول والأنبياء قبله ظاهرة الوحي؟ ..
يذهب بعض علماء الدراسات الإسلامية، إلى أن مصطلح (وحي) الذي يطلقه القرآن على هذه الظاهرة إنما يعبر عنه بالكلمات ( Intuition المكاشفة أو الوحي النفسي (١)) أو ( Inspiration إلهام)، لكن هذه الكلمة الأخيرة ليس لها أي مدلول نفسي محدد، مع أنها مستخدمة عموماً لكي تردّ معنى الوحي إلى ميدان علم النفس. أما الكلمة الأولى فلها على العكس مدلول، ولكنه لا يتفق مع الأحوال الظاهرة الملحوظة لدى النبي - صلى الله عليه وسلم -، في حالة التلقي التي يعانيها أثناء نزول الوحي.
ومن ناحية أخرى، تعرف المكاشفة أو الوحي النفسي من الوجهة النفسية
(١) يعرف الشيخ رشيد رضا الوحي النفسي بأنه " الإلهام الفائض من استعداد النفس العالية"، ثم قال: (وقد أثبته بعض علماء الإفرنج لنبينا - صلى الله عليه وسلم - كغيره فقالوا: إن محمداً يستحيل أن يكون كاذباً فيما دعا إليه من الدين القويم، والشرع العادل، والأدب السامي؛ وصوّره من لا يؤمنون بعالم الغيب منهم أو باتصال عالم الشهادة بأن معلوماته وأفكاره وآماله ولدت له إلهاماً فاض من عقله الباطن أو نفسه الخفية الروحانية على مخيلته السامية، وانعكس اعتقاده على بصره فرأى الملك ماثلاً له، وعلى سمعه فوعى ما حدثه الملك به) وفي كلا الرأيين جزء يتفق مع تعريف المؤلف للوحي النفسي. (المترجم)