الوحي ظاهرة منجمة، فهو في أساسه متفاصل، شأن مجموعة عددية، أي أنه متكون من وحدات متتالية هي الآيات، وهذه الخاصة توحي إلينا بفكرة الوحدة الكمية: فكل وحي مستقل يضم وحدة جديدة إلى المجموعة القرآنية. بيد أن هذه الوحدة القرآنية ليست ثابتة، فهي لا تماثل الوحدة التي تزيد في مجموعة الأعداد حين يضاف واحد إلى ثلاثة أو أربعة أو خمسة ليؤدي إلى الوحدة العددية التالية.
فإن للوحي مقياساً متغيراً هو: كميته أو سعته، تلك السعة التي تتراوح بين حد أدنى هو الآية، وحد أقصى هو السورة.
وتأمّل هذه الوحدة يتيح لنا بعض الملاحظات المفيدة عن العلاقة بين الذات المحمدية والظاهرة القرآنية، إذ هي تتناسب في الزمن مع الحالة الخاصة التي سميناها (حالة التلقي) عند النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد رأينا- بصفة خاصة- أن إرادته تنعدم مؤقتاً، إذ هو عاجز في تلك اللحظات عن أن يغطي وجهه المحتقن، التفصد عرقاً. فعن هذه الذات العاجزة فجأة- وللحظات- تصدر وحدة التنزيل، وعلى هذه الذات الخارقة في حالة لا شعورية تقريباً يطبع الوحي فجأة فقراته الوجيزة.
تلك هي وحدة (الظاهرة القرآنية) من ناحية الكم، وهي التي ندرسها بالنسبة لهذه الذات العاجزة مؤقتاً، والتي هي (حامل الوحي).
هذه الوحدة تؤدي بالضرورة فكرة واحدة، وأحياناً مجموعة من الفكر المنتظمة في أسلوب منطقي يمكننا ملاحظته في آيات القرآن، ودراسة هذه الفكر