للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه لم يأت لكل ألم بعزائه العاجل، ولو أنه لم ينزل لكل تضحية جزاءها، ولكل هزيمة أملها، ولكل نصر درسه في الاحتشام، ولكل عقبة إشارة إلى ما تقتضيه من جهد، ولكل خطر أدبي أو مادي روح التشجيع اللازم لمواجهته؟

وكلما كان الإسلام ينتشر في ربا الحجاز ونجد، كان الوحي يتنزل بالدرس الضروري في المثابرة والصبر، والإقدام والإخلاص، يلقنه أولئك الأبطال الأسطوريين، أبطال الملحمة الخارقة.

فهل كان لدرسه أن يجد طريقه إلى قلوبهم وضمائرهم لو لم يكن نزوله تبعاً لأمثلة الحياة نفسها، والواقع المحيط بهم؟.

ولو أن القرآن كان قد نزل جملة واحدة لتحول سريعاً إلى كلمة مقدسة خامدة وإلى فكرة ميتة، وإلى مجرد وثيقة دينية، لا مصدر يبعث الحياة في حضارة وليدة.

فالحركة التاريخية والاجتماعية والروحية التي نهض بأعبائها الإسلام لا سر لها إلا في هذا التنجيم.

والقرآن يبرز هذه الخاصة الخفية وهو يخاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى:

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان ٢٥/ ٣٢].

فنزول القرآن على نجوم، وقد كان في اعتبار الجاهليين نقصاً شاذاً، يتجلى لنا بمراجعتنا الزمن والأحداث شرطاً أساسياً ضرورياً لانتصار الدعوة المحمدية. ولن يشق علينا أن نجد في هذا المنهج التربوي- الذي أثار سخرية القوم، وأزاغ النقد السطحي في عصرنا عن الجادة- طابع العلم العلوي الذي أملى (كلمة الله) بطريقة التنجيم.

<<  <   >  >>