في ذاتها، وفي علاقتها ببقية حلقات السلسلة، تكشف عن قدرة خالقة ومنظمة، لا يمكن أن تنطوي عليها الذات المحمدية، في تلك الظروف النفسية الخاصة بحالة تلقيها الوحي، بل حتى في ظروفها الطبيعية، بشرط أن نقر نتائج القياس الأول.
وحقيقة، ماذا نقول في فكرة لدى إنسان لم يفكر فيها، ولا يمكنه أن يفكر فيها في الحالة الخاصة التي يعانيها؟. وماذا نقول في هذا النسق المتصل لتعاليم تؤديها هذه الفكرة، حين لا يتأسس هذا النسق على إرادة وتفكير منظم؟.
إن من الجلي أننا لا يمكن أن نتصور ذلك في النظرة الأولى، وفضلاً عن ذلك، فلو افترضنا أن التفكير يمكن أن يحدث لا شعورياً ولا إرادياً لدى فرد ما، فإن النبي على الرغم من هذا لم يكن لديه الزمن المادي كيما يتصور وينظم تعاليمه في البرهة الخاطفة للوحي.
ولسوف نرى أن هذه التعاليم تعبر أحياناً عن أفكار خارج حدود الفكر تماماً في العصر المحمدي، بل لا يمكن أن تخطر في فكر إنساني، وسنورد نحن لذلك أمثلة فيما بعد في فصل (موضوعات ومواقف قرآنية).
أما الآن، فنحن نكون مقياساً لنحكم على صلة وحدة الوحي بالذات المحمدية.
ولسنا للأسف مطمئنين إلى أن الأمثلة التي درسناها هنا تمثل تماماً هذه الوحدة أو شطراً منها.
ولكن من المستطاع أن نتخلص من هذه الصعوبة، حين نجعل وحدة التنزيل مجموع الآيات المتتابعة التي تسهم في اكتمال فكرة واحدة، وهذا العدد يمكن أن يهبط إلى الحد الأدنى، في آية واحدة، ويمكن أن يرتفع إلى الحد الأقصى في سورة كاملة.