الحادث المزدوج الذي أمسك به على حافة الانتحار يصبح الآن بالنسبة له شغلاً متسلطاً مؤلماً:
فهل سمع ورأى حقاً؟ أو أن هذا الحادث السمعي البصري لم يكن سوى سراب باطني، انبعث في نفسه تحت تأثير انفعال مؤلم قاده إلى شفا الهاوية؟
ألم تخدعه جوارحه المنفعلة؟
لقد كان يجب أن تثور هذه الأسئلة كلها من أول وهلة في ذهن النبي، حتى قبل أن يثيرها النقد في عصره أو عصرنا.
فهو يخيل إليه أنه قد ألَمَّ به، فيمضي مسرعاً، ليسر بيأسه إلى زوجه الحانية، يشركها في فكرته المسيطرة عليه ... في اضطرابه وخلطه.
ومع ذلك، فحتى في كنف زوجه الرقيقة لا تزايل رؤية جبل النور عينيه، كأنما هي مطبوعة على باصرته بشعاع ثابت غير منظور، فتحسرت زوجه وألقت خمارها ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا ... قالت: يا بن عم .. اثبت وأبشر فوالله إنه ملك، ما هو بشيطان (١).
قد يرى عصرنا المغرم بالعلوم في هذا الذي حدث دليلاً على ظاهرة ذاتية محضة، لأن الرؤية موضوع الظاهرة لم تحدث في حضور خديجة، لكن هذا الخروج على القاعدة ليس عسيراً على الفهم، من الناحية الحسية: فإن عمى الألوان مثلاً يقدم لنا حالة نموذجية، لا يمكن أن ترى فيها بعض الألوان بالنسبة لكل العيون، وهناك أيضا مجموعة من الإشعاعات الضوئية دون الضوء الأحمر، وفوق الضوء البنفسجي لا تراها أعيننا، ولا شيء يثبت علمياً أنها كذلك بالنسبة