التاريخية والنفسية. وضروري أن نلاحظ من الوجهة النفسية أن موضوع التفكير تحدده في جوهره طبيعة الفكر الذي يصوغه، وهو يحتل مكانه في سياق الاطراد الطبيعي لهذا الفكر، ويحب على الأخص أن يكون جزءاً من الأفكار الخاصة بالذات التي تفكر فيه، وأن يدخل في نطاق تجربتها، وفي مجال رؤيتها، وبعبارة أخرى: لكي تصح نسبة هذه الملاحظات إلى النبي يجب أن نثبت أن:
الأفكار المحمدية = الأفكار القرآنية
وربما تصح هذه المعادلة لو أننا تحققنا من أن موضوع آية ما يمكن أن يصدر عن مجال ذات محمد، وأن يندمج في نسق فكره، وأن ينبعث عن تجربته، وأن ينتزع من محيط بصره. وفي هذه الحالة قد تفصح هذه المعادلة- بترتيبها المشار إليه آنفاً- عن علاقة سببية، لتكون الأفكار المحمدية سبباً في حصول الأفكار القرآنية، وإذا ثبت العكس تصبح المعادلة مستحيلة، إذ تنتفي العلاقة السببية، وهو ما نسعى إلى إثباته هنا. وعليه، فنحن نتصور تصوراً كاملاً طبيعة الفكر لدى إنسان فني في المشكلة الدينية والمشكلة الغيبية والمشكلة الروحية خاصة، وربما تصورنا أيضاً اطراد هذا الفكر في وصفه الطبيعي، وهو الاطراد الذي يجب أن يضم في مجال إدراكه البصري الوقائع وسبب حدوثها، والكون وعلة كونه. وينبغي أيضاً أن يربط بين الخالق والمخلوق برباط الإيمان، وأن ينصب للكائنات والأشياء سلماً من الدرجات الخلقية.
لقد شغلت أفلاطون فكرة كهذه، فانبجست منها فلسفته الخلقية. أما حين يحدث تحول جوهري في تيار الفكر لدى إنسان ما، فينتقل اهتمامه فجأة من أفق إلى آخر، فإن ذلك يدفعنا- دون شك- إلى أن ندقق النظر من قريب في هذه الحالة الغريبة، فلو اتضح لنا أنها غريبة عن الفكر الديني الذي نريد أن ندرس امتداده فمن الواجب أن نعدها (ظاهرة فريدة)، والقرآن يقدم لنا دائماً كثيراً