للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفكرية لدى الشعوب الأخرى ليست بذات قيمة، إذا ما رجعنا إلى الشعر الجاهلي الذي يعد مصدراً قيما لمعلومات في هذا الموضوع.

فمحمد في ذهابه إلى عزلته في غار حراء، لم يكن لديه سوى ذلك المتاع العادي من الأفكار الشائعة في وسطه البدائي.

ثم تأتي الفكرة الموحى بها فتقلب هذه المعرفة الضئيلة المحاطة بسياج مزدوج من الجهل العام، والأمية الخاصة عند محمد.

ومن الواجب أن نتصور في كلمة {اقرأ} وهي الكلمة الأولى للوحي، تأثيرها الصاعق على النبي لأنها لا تعني شيئاً بالنسبة له، إذ هو أمي. وهذا الأمر الملزم يحدث بطبيعة الحال انقلاباً في كيانه، لأنه يزلزل فكرة الأمي عن نفسه، فيجيب متهيباً: (ما أنا بقارئ). ولكن ... أي صدمة مذهلة تصيب فكره الموضوعي؟!. فإذا كان النبي قد تخلقت لديه نواة الاقتناع عقب الملاحظات الأولى المذكورة، فإن هذه الصدمة العقلية لن تبدد شكوكه مرة واحدة، إذ عندما يأمره الصوت في المرة التالية (أن ينذر)، سيتساءل قلقاً ((منذا الذي يؤمن بي؟)) وفي هذا السؤال نلمح مفاجأة الشيء غير المتوقع، وحيرة الاقتناع.

وفضلاً عن ذلك فإن الوحي سينقطع فترة من الزمن، وسنجد أنه يتمناه، بل يريده، بل يناديه مستيئساً، ولا من مجيب.

هنا يجد (محمد) نفسه في أقسى لحظات أزمته الأدبية التي عرفها في غار حراء (١). وهنا يتعاظم شكه، وقد كان يسيراً، فيشكو حيرته لزوجه الحانية،


(١) من حديث عائشة قالت: "وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال: (يا محمد إنك رسول الله حقاً) فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه" رواه البخاري ١٢ كتاب التعبير ط المطبعة البهية. (المترجم)

<<  <   >  >>