وعرض قصة يوسف نفسه- ذلك الذي انتهينا منه- محصور في إطار الآيتين ((٣)) و ((١٠١)) اللتين تحملان الطابع التاريخي السابق نفسه، أعني تأكيد خلو البيئة العربية من أي تاريخ توحيدي (١).
وإذن: فأية قيمة منطقية يمكن أن تكون لهذه الآيات والتأكيدات كلها في نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاصريه، لو أنها لم تكن سوى تبليغات منافية لواقع هاتيك الأيام.
والحق أن هذا الواقع- القابل للتعديل من هؤلاء المعاصرين الذين انتدبوا للشهادة صراحة في الآيات السابقة- لم يكن سوى انعدام أي تأثير يهودي مسيحي في الحياة الجاهلية، وهو ما أكده القرآن بقوة، وأيدته الأخبار المتواترة.
لقد قام الآباء اليسوعيون- في مستهل هذا القرن- بأبحاث مهمة جداً في هذا الموضوع، لكي يحددوا مدى إسهام (شراء النصرانية في الجاهلية)، وقد انتهت أبحاثهم بمحصول أدبي عظيم ليس له من النصرانية إلا العنوان المذكور، وكان لهذا العمل العظيم نتيجة مفاجئة ذات مغزى، هي أنه قد برهن على عكس ما كان يريد مؤلفوه.
(١) المقصود بالتاريخ التوحيدي ما يتصل بالأديان المنزلة لا ما يتصل بفكرة الألوهية التي كان العرب ملمين بها في ثنايا إشراكهم بالله، وهو ما تدل عليه الآية الكريمة {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر ٣/ ٣٩] (المترجم)