للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الموت ينتزع منه حاميه الوحيد عمه أبا طالب (١).

وسيترك لنا مشهد النزع والاحتضار تفاصيل تاريخية ثمينة بالنسبة لصورة (رسول الله) النفسية في هذه الحقبة، فلقد كانت هذه في الواقع بالنسبة له أخطر لحظات مهمته التي اختلط فيها الحنو البنوي بهمّ النبي لإنقاذ نفس عزيزة، ترفض النجاة في صلف ومكابرة، فإن ابن الأخ ليهوله أن يموت عمه مشركاً.

وهي لحظة مفزعة له، إذ يتمثل في شخصه ويتحدث على لسانه النبي الذي يتمنى أن ينقذ من كان له نعم الأب. ها هو ذا صوت المحتضَر العجوز يتقطع في الشهقات الأخيرة، فتضرع إليه دون جدوى أن يقر بالإسلام، ولكنه يستجمع قواه المتفانية ليقول: "والله يا بن أخي لولا نحافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعاً لأقررت بها عينك، لما أرى من شدة وجدك" (٢)

وانتاب ابن الأخ ألم مبرح، وهو يرى عمه العزيز يغادر الحياة دون أن يغادروثنية آبائه.

هذا المشهد العائلي الرهيب، بين عجوز مشرف على الموت، وابن شجاه الهم والقلق، وغمرته اللهفة والإشفاق، يكشف في إحدى اللحظات الحاسمة عن إخلاص النبي المطلق.

ولكن خسارة أخرى أشد إيلاماً، تحدث قريباً لتغمره حزناً، فبعد قليل فقد (محمد) (صاحبته الحانية الفاضلة).


(١) في رواية ابن الأثير نص على أن خروج النبي إلى ثقيف بالطائف، كان بعد وفاة عمه أبي طالب، وقد اشتد به الأذى، وكذلك نص ابن الأثير على أن موت السيدة خديجة كان قبل موت أبي طالب بأيام تتراوح بين ثلاثة أيام وخمسين يوماً، على اختلاف الروايات، كذا في إمتاع الأسماع [ص:٢٧]. (المترجم)
(٢) السيرة الحلبية ج١ [ص:٢٥٠].

<<  <   >  >>