تحطم أجهزتها، على حين أن الإسلام يواجه دولة منظمة نوعاً ما من الخارج هي مكة، فكان عليه أن يختار بين أن يحطمها أو يتحطم، وفضلاً عن ذلك فإن هذه الظروف يفرضها مجرى الحوادث نفسه إذ أن الجهاد يعد من الناحية التاريخية نتيجة للهجرة.
هذه الظاهرة نفسها قد حدثت في تاريخ اليهودية، عندما واجه بنو إسرائيل بقيادة موسى ويوشع من الخارج، دولاً منظمة على شاطئ نهر الأردن.
فالرسول إذن سينظم صفوفه من أجل الصراع المسلح الذي سيفتح له أبواب مكة في السنة الثامنة من التاريخ الجديد، ولكن كم سيعترض الدعوة من عقبات قبل هذا الموكب العظيم الذي يدوخ، يوم دخول المسلمين مكة، ذلك الصَّلِف أبا سفيان؟ إن مجموعة من الأسماء المهيبة ستدوي منذ ذلك الحين في أركان التاريخ العالي:
بدر ... أحد ... الخندق ... حنين ..
لسوف تعرض الملحمة المحمدية آنذاك على شاشة التاريخ مجموعة من الأحداث الأسطورية، حتى كأنها رواية سحرية. ها هو ذا حلم (آمنة) القديم، عندما كانت تهز بين أحضانها ثمرة أحشائها، وعندما كانت يخيل إليها أنها تسمع صهيل الخيل وعدو الفرسان وقعقعة السلاح، هذا الحلم القديم سيتحقق اليوم على صفحة الواقع.
وفي هذه الملحمة سيتدخل القائد دائماً لكي يفصل في حالة دقيقة، ولكي يتخذ قراراً سياسياً هاماً، ولكي يضع خطة استراتيجية، ولكن النبي هناك دائماً، يشرف على أعمال القائد، ويمضي قراراته من وجهة نظر دعوته، التي تخلع على كل تفصيل في هذه الملحمة الطابع الروحي الضروري الذي ينسبه إلى الله.
وسنجد (محمداً) عندما ستدق ساعة بدر، بعد أن يكون قد اتخذ أهبته الحربية الكاملة، نجده وقد شعر بخطورة اللحظة التي ستقرر مصير الإسلام،