للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بذلك ذات قيمة مطلقة تقريباً في نظر المفسرين والفقهاء، ومع ذلك فها نحن أولاء نرى أن النبي قد ألغى بنفسه هذا الحديث أمام تجربة بستاني بسيط، مقرراً بذلك أسبقية العقل والتجربة في سير النشاط الدنيوي.

على أننا لا نجد حالة واحدة نسخ فيها النبي آية قرآنية بتجربة فردية حتى ولو كانت تجربته هو نفسه (١).

بل على العكس، ترينا بعض الأحداث في تاريخه تمسكه الشديد المطلق في هذا الباب، فهو لم يتخل مطلقاً عن آية قرآنية مهما كان الثمن، بل نراه يعدل فجأة عن الحج الذي كان قد اتخذ له أهبته في السنة السابقة، وكان السبب الوحيد لهذا العدول هو أن الوحي قد أمره به، فنزل على أمره، مهما أوشك هذا أن يثير فوض في المعسكر الإسلامي (٢).

فنحن إذن أمام فكرتين تتمثلان في نظر النبي بقيمتين مختلفتين: الفكرة الشخصية التي تنبعث من معرفته البشرية، والوحي القرآني المنزل عليه.


(١) ذهب بعض العلماء إلى جواز نسخ الكتاب بالسنة، واستشهدوا لذلك بقوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء٤/ ١٤].
فقالوا: إن الحكم في هذه الآية منسوخ بقوله - صلى الله عليه وسلم - " خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب ترجم والبكر تجلد" وفي الباب أقوال أخرى لا تجيز نسخ الكتاب بالسنة. أما نسخ السنة بالكتاب أو نسخ الكتاب بالكتاب فهو مما اتفق بصدده العلماء. ويرى المؤلف أن قوله - صلى الله عليه وسلم - "خذوا عني". إنما كان لشرح الآية لا لنسخها. (المترجم)
(٢) لم يكن أمر الوحي هنا في صورة آية قرآنية، وإنما يبدو أنه كان مجرد أمر بالصلح والرجوع، فمن الثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد واجه ثورة بعض أصحابه كعمر بن الخطاب حين قال له، "علام نعطي الدنية في ديننا؟ " بقوله "أنا عبد الله ورسوله: ولن أخالف أمره ولن يضيعني" هذا هو ما ذكره المقريزي في (إمتاع الأسماع) [ص:٢٩٢]، وليس في كلام المؤلف ما يشير صراحة إلى أن الوحي كان هنا آية، وإن أوهم السياق خلاف ذلك. (المترجم)

<<  <   >  >>