وبهذه الصورة تصبح الآية بالتدقيق كاملة، ومطابقة للتركيب العربي، فيما عدا القلب الذي طرأ على وضع الجملتين (٣ و ٤) لنردها إلى ترتيبها الطبيعي، ومع ذلك فربما نلاحظ أن الآية تتعرض في نسقها الجديد لنقد في الصميم، إذ تكون برهاناً خطيراً ضد القيمة العلوية للوحي، لأن معنى الفقرة (٤) كله قد أصبح في التنظيم الجديد تكذيباً، لا لغدر المنافقين، بل لإقرارهم وشهادتهم بأنه رسول الله، ففي التركيب القرآني للأفكار دقة مذهلة، لأن الفقرة الثالثة التابعة تؤكد أولاً صحة رسالة النبي- وهو ما شهد به المنافقون- قبل أن يعلن كذبهم في الفقرة الرابعة الرئيسية، هذا الترتيب الدقيق الذي يتميز بالعمق واليقظة البالغة يتنافى- كما يجب أن نكرر- مع الظروف النفسية والزمنية التي تبرق فيها (الوحدة الكمية) للقرآن، حتى كأنما هي ومضة خاطفة.
وهو يتنافى أيضاً مع الارتجال والتلقائية لأسلوب القرآن، وواجبنا أن نذكر القارئ بأن الخطاب القرآني من الناحية الشكلية، يعد عرضاً شفوياً لا تظفر فيه الفكرة بالزمن المادي الكافي، لتحقيق الدقة المنطقية التي نلمسها في الأسلوب المكتوب.
فليس لدى الإنسان عندما يتحدث وقت لكي (يدير لسانه في فمه سبع مرات)، والأسلوب الخطابي عموماً عرضة لزلات اللسان، على حين يقل تعرض الأسلوب المحرر للأخطاء العلمية، لأن لدى الكاتب فرصة (ليغمس القلم في الدواة سبع مرات)، قبل كتابة الفكرة.