للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ديننا وفي أخلاقنا وفي مدارسنا وفي صحافتنا، وفي كل أقوالنا وأعمالنا، شيء لا يكاد يحيط به أحد.

وهذا الإشعاع كما سماه مالك، كان من أعظم الأسباب وأبعدها خطراً في (العقل) الحديث، الذي يريد أن يدرك دلائل إعجاز القرآن إدراكاً يرضى عنه ويطمئن إليه. وهو الذي أوقع الشك في الأصول القديمة التي قامت عليها أدلة إعجاز القرآن، بل أكبر من ذلك، فإنه قد أتى أساليب غاية في الدهاء والخفاء، أفضت إلى تدمير الوسائل الصحيحة التي ينبغي أن يتذرع بها كل من درس نصاً أدبياً، حتى يتاح له أن يحكم على جودته أو رداءته، فضلاً عن بلاغته أو إعجازه.

وقد ذكر مالك في (مدخل الدراسة) تلك القضية الغريبة التي عرفت بقضية (الشعر الجاهلي)، والتي أثارها المستشرق (مرجليوث) في بعض مجلات المستشرقين، ثم تولى كبرها (طه حسين) في كتابه (في الشعر الجاهلي)، يوم كان أستاذاً للأدب العربي بالجامعة المصرية. ولن أذكر هنا تلك المعارك التي أثارها كتاب (في الشعر الجاهلي)، ولكني أذكر، كما ذكر مالك، أن هذه القضية بأدلتها ومناهجها، قد تركت في (العقل) الحديث في العالم الإسلامي، أثراً لا يمحى إلا بعد جهد جهيد؛ والعجب أن (مرجليوث) قد أتى في بحثه بزيف كثير، كان هو الأساس الذي بنى عليه هذا (العقل)، وقد حاول مئات من رجال الفكر أن يزيفوا الأدلة والمناهج، ولكن هذا الزيف بقي بعد ذلك طابعاً مميزاً لأكثر ما ينشره الطلبة والأساتذة إلى يومنا هذا. ولا تحاكم مرجليوث وأشياعه إلى رأيك ونظرك، بل دع محاكمته إلى مستشرق مثله، هو (آربري)، يقول في خاتمة كتابه (المعلقات السبع) وقد ذكر أقوال مرجليوث وفندها: ((إن السفسطة- وأخشى أن أقول: الغش- في بعض الأدلة التي ساقها الأستاذ (مرجليوث)، أمر بيِّن جداً، ولا تليق البتة برجل كان، ولا ريب من أعظم أئمة العلم في عصره)).

<<  <   >  >>