وهو مع ذلك يرى (كلمة) صادرة عنه، مطبوعة بكل دقة بطابع تفكير وإرادة ونظام، وأحياناً تبدو هذه (الكلمة) وهي تعلن عن نسق الوحي التالي لها، فكأنما احتوت على علم سابق خارق للعادة بما سيليها من الآيات!! ذلك فيما يبدو لنا هو الطابع العام للقرآن، باعتباره مجموعاً صادراً عن إرادة وتفكير وتنسيق، بل عن علم يبدو أنه ثمرة إعداد سابق. وإنما تتجلى هذه الصفة في حالات تصدير موجه الوحي بآية تشبه إلى- حد ما- طليعة الجيش، تحمل سره وتعرف وجهته، وهي متقدمة عليه. وذلك هو المقصود من استعمال المصدر Anticiper، إذ أن معناه: العلم بالشيء مسبقاً ( Prévoir) ، ومثل هذا الفعل النفسي لا يمكن أن يُتَصور دون الاشتراك الشعوري للذات الفاعلة، وعليه فمنذ ذلك الانطلاق الروائي للظاهرة القرآنية، حينما كانت الأزمة الأدبية والشك يتبددان من نفس النبي وحده نزل عليه ذلك الوحي المذهل:
ولكن ما وزن هذا القول الثقيل .. ؟ .. إنه القرآن كله عندما يكتمل في مدى ثلاث وعشرين سنة، أي عندما نزل أمين الوحي للمرة الأخيرة، كيما يختم الوحي على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وذلك الثقل؟!! إنه ثقل الفكرة الدينية والتجربة الخلقية، ثقل الإيمان المضطرم لدى ربع الإنسانية الآن، وهو أيضاً- في ميزان التاريخ- ثقل تلك الحضارة الإسلامية التي كانت خاتمة لدورة الحضارات.
نعم ... إنه لقول ثقيل! .. فأي إرهاص ... ليس للفكرة وللتاريخ اللذين