للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باتفاق ما موضوعاً مدركاً بطريقة سلبية. وهنا نلمس تعارضاً بيناً بين هذا الوضع والدور السلبي المعين لهذه الذات في القياس الأول، ومن ناحية أخرى، لا بد أن نعد الحروف الأبجدية في ذاتها كائنات رمزية غريبة عن مفهوم الأمي وفكره، فلا تعني هذه الآيات لديه معنى عملياً، وبالتالي فالمفهوم متكتم باتفاق، فنحن نخطئ الفهم حين نقول إن رموزاً كهذه يمكن أن تدخل في مفهوم أمي، في تلك الحالة الخاصة التي تسمى (حالة التلقي)، فهل الأمر مجرد اختلال في شعور اضطرب مؤقتاً؟ ... أو أنه من الجائز أن يكون مرضاً عضوياً أصاب الجهاز الصوتي، وهو ما يسمى لدى علماء الطب La Glossolalie (١) ... ولكن النبي كما رأينا في القياس الأول يمثل أكمل المعادلات الشخصية في نواحيها الثلاث: الخلقية، والعقلية، والبدنية، ولم يدع التاريخ أدنى ريب في هذه النقطة. فلا مجال إذن لأن نتخيل أي افتراض عن الذات المحمدية، حتى نشرح هذا الابهام، أو ذلك المرض العضوي. ومن وجهة أخرى لسنا نجد في أدب هذه الذات الشخصي الغني وهو (الحديث)، أي أثر لتلك المغلقات، ولا توجد أية رواية مشافهة عن النبي، مشتملة على مثل هذا التصدير الرمزي.

والآن لو أننا جردنا المسألة من اعتبارات الذات المحمدية، فلا ننظر إليها إلا بالنسبة للقيمة الذاتية للقرآن- دون أن نتسرع بالحكم على أصله أو طبيعته- فسنبقى أمام اللغز نفسه. والحق أن القرآن منذ ثلاثة عشر قرناً يعد أكمل نموذج أدبي استطاعت اللغة أن تفصح عنه، فليس به أدنى اختلال، بل إن الاتساق البديع شامل لجميع نواحيه، في روحه الجليل الغامر، وفي نذره الرائعة المؤثرة، وفي مشاهداته الباهرة، وفي حلاوة وعوده الفائقة، وفي فكرته المتسامية المتشامخة، وأخيراً في أسلوبه البهي المعجز.


(١) يقصر النقد الحديث هذه الظاهرة- وخاصة في حالة أرمياء- على الاضطراب العضوي الذي يحدث عند النبي في حالة الكشف. (المؤلف)

<<  <   >  >>