وكل لبس يقع في ضبط هذه الأمور المتعلقة بمعنى (إعجاز القرآن)، وكل اختلال في تمييزها وتحديد ما تقتضيه في العقل والنظر، سبيل إلى انتشار أغمض اللبس، وأبلغ الخلل في فهم معنى (إعجاز القرآن)، من الوجه الذي صار به القرآن معجزاً للعرب، ثم لسائر البشر على اختلاف ألسنتهم، ثم للثقلين جميعاً متظاهرين.
****
هذا بعض ما أدى إليه النظر المجرد في استخراج المعنى الذي هو مناط التحدي ومفصل الإعجاز؛ وأرجو أن أكون قد بلغت في كشفه مقنعاً ورضى. ولكنه بقي ما لا بد منه: أن نستنبط بهذا الأسلوب من النظر المجرد، صفة القوم الذين تحداهم، وصفة لغتهم.
فإذا صح أن (الإعجاز) كائن في رصف القرآن ونظمه وبيانه بلسان عربي مبين، وأن خصائصه مباينة للمعهود من خصائص كل نظم وبيان تطيقه قوى البشر في بيانهم، لم يكن لتحديهم به معنى إلا أن تجتمع لهم وللغتهم صفات بعينها: أولها: أن اللغة التي نزل بها القرآن معجزاً، قادرة بطبيعتها هي، أن تحتمل هذا القدر الهائل من المفارقة بين كلامين: كلام هو الغاية في البيان فيما تطيقه القوى، وكلام يقطع هذه القوى ببيان ظاهر المباينة له من كل الوجوه.
ثانيها: أن أهلها قادرون على إدراك هذا الحجاز الفاصل بين الكلامين. وهذا إدراك دالّ على أنهم قد أوتوا من لطف تذوق البيان ومن العلم بأسراره ووجوهه، قدراً وافراً يصح معه أن يتحداهم بهذا القرآن، وأن يطالبهم بالشهادة عند سماعه، أن تاليه عليهم نبي من عند الله مرسل.
ثالثها: أن البيان كان في أنفسهم أجلَّ من أن يخونوا الأمانة فيه، أو