للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التيار الشعبي، فهو بهذا لا أثر له أخلاقياً وليس ملهماً، بل إن موقفه تجاه عقائد عصره هو موقف المبالغة في التساهل تساهلاً يصل إلى درجة التملق والملاينة. ومع ذلك فإذا لم يكن هناك مجال للحديث بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - عن الحركة النبوية بمعنى الكلمة في التاريخ الديني للإنسانية، فقد استمرت حركة ادعاء النبوة في الظهور في جميع العصور وفي كل مكان تقريباً. فهناك كثير من المنقذين في الهند، وهناك الأب الرباني في أمريكا قبل سنوات الحرب، كما ظهر (الباب) في فارس، فمتى ميزنا بين هاتين الوظيفتين: النبوة وادعاء النبوة، بناء على صفاتهما التاريخية ومبادئهما الفلسفية، فبديهي أن نميز بين العاملين اللذين يؤديانهما، وهما النبي ومدعي النبوة؛ فمهمة الأول في سماتها الخالصة: أن لها مبدأ وثيق الصلة بالأفكار العامة للحركة النبوية، ولها زمن يتناسب مع عرض هذا المبدأ وتبليغه، وهذه حالة (عاموس) الذي عاد يرعى كباشه في (تكوا) (١) في هدوء بعد تبليغ دعوته وتحذيراته المروعة. على حين لا يبشر مدعي النبوة بمبدأ شخصي بالمعنى الصحيح، بل يكتفي إما بأن يطنب في شرح رسالة النبي، وإما بأن يبشر بنوع من المعارضة في مقابل رسالة النبي: فعندما حمل أرمياء النير الرمزي، وبالغ في إنذاره بالتشاؤم، جاء حنانيا المتنبئ ليحطم هذا النير ويبشر بالتفاؤل، حتى أثّر على النبي المتشائم نفسه مؤقتاً؛ هذه الموازنة الموجزة تبين تياري الفكرة الدينية، والرجلين اللذين يعبران عنها، وهكذا نرى الأسباب التي توجب عدم الخلط بينهما.

...


(١) قرية اندثرت من قرى فلسطين.

<<  <   >  >>