للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما أبناء ابن حفصون فقد كانوا يحكمون مدناً وحصوناً بتفويض من والدهم وبإقرار من الأمير عبد الرحمن لهم على تلك المناطق، فكان جعفر في قلعة ببشتر نيابة عن والده، وعبد الرحمن في حصن طرش، وسليمان في مدينة أبذة (٣١)، ثم حصن أشتبين (٣٢). ولم يطل العهد بجعفر فقتل سنة ٣٠٨ هـ. على يد جماعة من أنصاره الذين ولوا سليمان مكانه (٣٣). ولكن سليمان ما لبث أن غلبه الغرور فمارس دور أبيه في مقارعة السلطة المركزية معتمداً على حصانة مدينة ببشتر (٣٤). فقضي عليه سنة ٣١٤ هـ (٣٥) واستسلم أخوه حفص في سنة ٣١٥ هـ، بعد أن اجتاحت قوات الدولة القلعة وما يحيط بها من مواقع حصينة (٣٦)، بقيت ما يقارب خمسين سنة " مثل جدار حديدي تتكسر عليه محاولات السلطة العديدة " (٣٧).

ولم يتمثل خطر هذا التمرد بطول مدته فقط بل بتهديداته المستمرة لسلطة الأمراء الأمويين في الأندلس، وبطموح عمر بن حفصون لنيل إمارة الأندلس، وبتعصب المولدين والمستعمرين له مما يجعل نجاحه ليس تغيراً في شخصية الأمير فقط " بل انقلاباً كاملاً وتغييراً في جنسية الحكم ودين الحاكمين، ولعل في طريقة معاملة الأمير عبد الرحمن الثالث للعصاة في حركة ابن حفصون مما يدل على شعوره بمدى هذا الخطر، فبينما كان مصير العصاة الآخرين بعد استنزالهم من حصونهم تسجيلهم في الملاحق وإعطائهم المناصب العالية، نرى سليمان بن عمر بن حفصون يمثل به بعد مقتله في المعركة ... وفي الإجراءات التي اتخذها عبد الرحمن أثر سقوط ببشتر ما يدل على نفس الشعور (٣٨).

وعلى الرغم من انشغال الأمير عبد الرحمن باجتثاث شأفة أبناء عمر بن حفصون فإنه لم يغفل أمر الخارجين في أنحاء البلاد من الأندلس، فقد كانت قواته تقاتل في


(٣١) استخلصها سليمان لنفسه بالقوة، ينظر: ابن حيان ٥/ ١٣٠.
(٣٢) ابن حيان: ٥/ ١٣١، وتقلب سليمان بين الخروج على السلطة المركزية والولاء لها حتى انفرد بالسلطة بعد اغتيال أخيه جعفر سنة ٣٠٨ هـ.
(٣٣) ابن حيان: ٥/ ١٦٨.
(٣٤) بيضون: ٢٩٤.
(٣٥) ابن حيان: ٥/ ٢٠٤ و ٢٠٦، ابن عذاري: ٢/ ١٩٢.
(٣٦) ابن حيان: ٥/ ٢٠٩، ابن عذاري: ٢/ ١٩٣.
(٣٧) بيضون: ٢٩٤.
(٣٨) أحمد بدر، تاريخ الأندلس " عصر الخلافة " ص: ١٠، دمشق؛ ١٩٧٤.

<<  <   >  >>