للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَصْلُ الثَّالِث

المظاهر الحضارية

١ - العلاقات الدبلوماسية:

اجتمعت في شخصية الخليفة عبد الرحمن الناصر مواهب عدة، أهلته لأن يكون حاكماً ناجحاً، فهو سياسي مرن وقائد شجاع وإداري صلب، يضاف إلى ذلك ثقافة أدبية واسعة وذوق فني رفيع وشخصية كهذه، لا بد أن تترك بصماتها على دولة الأندلس بصورة عامة لا سيما قرطبة التي تألقت نصف قرن من الزمن مع هذا الخليفة الذي وصل بفضل جهوده الجبارة ومنجزاته العظيمة، إلى أن يجعل منها جوهرة العصر تزدحم بالسكان وتشمخ في سمائها العمائر والقصور، ويؤمها أصحاب العلم وطلابه من كل صوب، وبدأ الناصر بعد رحيل منافسه المعز إلى المشرق (١) وأفول شمس الإمبراطورية الكارولنجية، الشخصية الأكثر قوة في غربي البحر المتوسط وفوق ذلك كان باستطاعته أن يدعي الزعامة الدينية للعالم الإسلامي بعد تحجيم هذا الدور الذي استأثر به الخلفاء العباسيون زمناً قبل أن يطغى عليهم ضباط القصر من الترك والديلم، وهكذا فإن الخليفة الناصر تحول في السنوات العشر الأخيرة من عهده إلى رجل العالم الإسلامي القوي، " له من متانة نظامه في الداخل وسمعته السياسية في الخارج، ما يؤهله لأن يكون موضع إعجاب وتقدير الشخصيات المعاصرة التي سعت إلى صداقته وإقامة علاقات ودية معه " (٢). والدول التي سعت إلى مصادقته وحرصت على إرسال السفراء إلى قرطبة هي:

١ - الدولة البيزنطية:

وكانت في مقدمة الدول الساعية إلى توطيد العلاقات مع الأندلس ولعل العداء


(١) يعني نقل مقر الدول الفاطمية إلى مصر.
(٢) بيضون: ٣٠٧.

<<  <   >  >>