لا يمكن الحديث عن فتح العرب لإسبانيا بمعزل عن بقية حروب التحرير التي خاضها العرب المسلمون في سبيل إعلاء كلمة الله، ونقل رسالة السماء إلى الشعوب المضطهدة التي كانت ترزح تحت نير القوى الأجنبية كالفرس والبيزنطيين. فلقد كان للعرب الذين وحّدهم الإسلام غاية نبيلة في الفتوح تمثلت أولاً في تحرير إخوانهم العرب أينما وجدوا، وثانياً: في تحرير الشعوب الأخرى من الجهل والوثنية والتسلط الأجنبي، ثم في نشر قيم ومثل الحضارة الإنسانية التي أنارت الدرب لهذه الشعوب، وساعدت على امتزاج الثقافات، والتجارب والخبرات، خدمة للبشرية جمعاء. ولقد نجح العرب في شمال أفريقيا -كما نجحوا في غيرها من الأماكن- في كسب سكان البلاد الأصليين، أي البربر، إلى جانبهم، ولو أن ذلك تأخر لفترة من الزمن بسبب تواجد القوى الأجنبية المتمثلة بالبيزنطيين الذين كانت تربطهم علاقات مع بعض البربر الموالين لهم والذين قاوموا الفتح العربي إلى حين. ولكن عندما أدرك البربر جوهر الرسالة السامية التي يحملها العرب، وأنهم لم يأتوا من أجل مغنم أو كسب مادي، تعاونوا معهم وامتزجوا بهم، ووحد الإسلام بين الاثنين، فأصبحوا قوة كبيرة في المنطقة. واعتمد العرب اعتماداً كبيراً على البربر، لا سيما في عهد الوالي موسى بن نصير، حيث عهد إلى زعماء من البربر بقيادة الجيوش الإسلامية التي استمرت تؤدي رسالتها في استكمال تحرير شمال أفريقيا. وبفضل هذا التعاون الفعال استطاع العرب أن يحققوا فتح إسبانيا.
في بداية العقد الأخير من القرن الأول الهجري (في حدود سنة ٩٠هـ/ ٧٠٨ م) عهد القائد العربي موسى بن نصير إلى طارق بن زياد بتولي قيادة البربر المسلمين الذين انتظموا في صفوف الجند العربي في منطقة المغرب الأقصى، فاتخذ مدينة طنجة مقراً له. ولقد كان حماس هؤلاء البربر إلى الجهاد ونشر مبادئ الإسلام التي جاء بها العرب كبيراً. ونظراً لطبيعة المنطقة الجغرافية، فلم يكن أمام طارق وجنده سوى التوجه بأنظارهم إلى شبه