لم تنته مصيبة المسلمين في الأندلس بزوال سلطانهم السياسي ورحيل سلطانهم إلى المغرب، بل حلت بهم مصيبة أكبر، حيث نقض الملكان الكاثوليكيان العهد. ووضعا خطة إبادة للمسلمين الباقين في الأندلس لعقيدتهم الدينية، فشكلا محاكم التفتيش التي تتعقب من يؤدي شعائرالإسلام بأية صورة، فكان من جراء ذلك أن أظهر عدد من المسلمين المسيحية وأبطنوا الإسلام، وأطلق على هؤلاء اسم (المورسكيون Los Moriscos) أي المسلمون الصغار. وبقي المسلمون هؤلاء يقاومون الاضطهاد ما يزيد على القرن من الزمان دفاعاً عن عقيدتهم وكيانهم (٤٣).
أول ظاهرة ملفتة للنظر بعد رحيل السلطان أبي عبد الله الصغير إلى عدوة المغرب، بدأ مسلمو الأندلس بالهجرة من الأندلس إلى المغرب كما جاء في شروط التسليم التي سهلت لهم هذه المهمة وهي: أن الملكين الإسبانيين ملزمان بتوفير السفن لنقل مسلمي الأندلس إلى المغرب مجاناً ولمدة ثلاث سنوات، وبعدها يدفع من يريد العبور دوبلاً واحداً عن كل شخص (الدوبل عملة ذهبية إسبانية قديمة تساوي عشر بزيتات)(المادة السابعة من المعاهدة). فأول من هاجر أهل مالقة الذين نزحوا إلى باديس (مدينة ساحلية تقع في شمال المغرب، اندثرت ويقع مقابلها جزيرة صغيرة باسمها)، وخرج أهل المرية ونزلوا مدينة تلمسان، ونزل أهل الجزيرة الخضراء في طنجة، واستقر أهل رندة وبسطة وحصن مرتيل في تطوان وأحوازها. وهاجر أهل دانية إلى تونس والقيروان والجزائر،
(٤٣) الحجي، أندلسيات، ج ٢، ص ١٦٨ - ١٦٩ - عنان، " قصة كاتب مورسكي " مجلة العربي، العدد، ١٣١، ص ٥٢ - عنان، " تستور بلد الموريسكيين " مجلة العربي، العدد ١٥٦، ص ١٣٨.