لقد سارت عملية استقرار العرب في إسبانيا جنباً إلى جنب مع الفتح العربي الإسلامي، حيث كان كل من طارق بن زياد وموسى بن نصير يتركان حاميات عربية وبربرية في المناطق المفتوحة شكلت نواة للمستقرين المسلمين في إسبانيا. وعندما عاد الفاتحان إلى المشرق، ظل جنودهما في المناطق المحررة، كل حسب رغبته. وكان هؤلاء يتألفون بالدرجة الأولى من العشائر العربية والبربرية التي رافقت طارق وموسى.
وقد أطلقوا على أنفسهم اسم البلديين، لأنهم عدوا أنفسهم المالكين الحقيقيين للبلاد، فهم أهل البلد وفاتحوها. وهناك مجموعة أخرى من العرب دخلت الأندلس بعد فترة وجيزة من الفتح، تتألف من العشائر الشامية التي عبرت من شمال أفريقيا على أثر تمرد البربر في المغرب. وقد سمي هؤلاء بالشاميين، أو بطالعة بلج بن بشر القشيري، الذي كان يتزعمهم في عبورهم إلى الأندلس.
وإذا ما استثنينا المستقرين الأوائل أو البلديين، والقادمين من الشاميين، فإن عدد العرب الذين دخلوا الأندلس بعد الفتح كان قليلاً. ويتكون هؤلاء من بعض الأفراد الذين عبروا بصورة منفردة، ومن الحرس الذين رافقوا الوالي الحر بن عبد الرحمن الثقفي، وكان عددهم نحو أربعمئة رجل. وكذلك عبر بعض الرجال برفقة ولاة آخرين، مثل السمح بن مالك الخولاني، وأبو الخطار الكلبي.
البلديون:
وهؤلاء، كما أسلفنا، هم الفاتحون الذين تغلبوا على دولة القوط الغربيين، واستقروا مباشرة في الأراضي المفتوحة، وبشكل خاص، على امتداد الطريق التي سلكها
(١) انظر: ابن عبد الحكم، ص ٢٠٦؛ ابن عذاري؛ ٢/ ١١، ١٢، ١٥؛ فتح الأندلس، ص ١٧؛ المقري: ١/ ٢٧٦، ٢٩٠.