للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل من طارق بن زياد وموسى بن نصير أثناء فتوحاتهما لشبه الجزيرة الآيبيرية (١). ولم يستقر هؤلاء البلديون تبعاً لترتيبات وضعها موسى بن نصير، بل جاء استقرارهم تبعاً للصدفة، وفي المناطق التي مرت بها الحملات العربية الإسلامية. وفي الحقيقة تختلف الروايات في الإجراءات التي اتخذها موسى بن نصير لتقسيم الأراضي المفتوحة في الأندلس، فمنها ما يؤيد أنه قسم البلاد بعد اكتمال الفتح، فاحتفظ بحصة الخلافة من الأراضي، وهي الخمس، ووزع الباقي بين جنوده. ويقال أيضاً إنه خصص العديد من السبي ليزرعوا أراضي الخمس ويبقوا فيها. وكان على هؤلاء أن يدفعوا ثلث محصولهم للمسلمين، وأصبحوا يُسمون بالأخماس، وكذلك عُرف أبناؤهم ببني الأخماس. أما بالنسبة للمسيحيين الذين اعتصموا في المعاقل المنيعة، والمناطق الجبلية، فقد أقرهم موسى على ممتلكاتهم، وديانتهم، شريطة أن يدفعوا الجزية للمسلمين. وسميت الأراضي التي ظلت بحوزة هؤلاء باسم أرض الشمل أو أرض الصلح (٢). وهناك روايات أخرى لا تشير إلى تقسيم موسى لكل أراضي البلاد، بل إنه لم يتمكن إلا من إنجاز تقسيم أجزاء محدودة من الأندلس بسبب عودته السريعة إلى المشرق (٣). ويمكن أن نعتمد على هذه الروايات ونأخذ بها، لأنها تتفق مع الوقت القصير الذي صرفه موسى في الأندلس. ولقد رأينا فعلاً أن موسى عقد معاهدة مع أهالي ماردة خوَّلته حق الاستيلاء على ممتلكات الذين قتلوا، والهاربين إلى جليقية. ومن الواضح أن قسماً من جيش موسى استقر في هذه الأراضي المهجورة. ومن المحتمل جداً، أن بقية أتباع موسى فعلوا الشيء نفسه واستقروا في العديد من الأماكن الأخرى، سواء تم عقد معاهدات مع أهلها أم لم يتم ذلك، وبشكل خاص، في جنوب إسبانيا، ووادي نهر الوادي الكبير، ووادي نهر آنة، وبعض الأماكن الأخرى في المناطق الشمالية التي تم فتحها عنوة. أما في شرق إسبانيا، فقد عقد عبد العزيز بن موسى معاهدة الصلح مع حاكم المنطقة القوطي تدمير، فانتظم بموجبها استقرار العرب وعلاقاتهم مع السكان النصارى في المنطقة. وقد استسلمت مناطق أخرى إلى المسلمين بموجب معاهدات صلح، مثل مدينة وشقة Huesca (٤) . ووافق أهالي البلاد في هذه المناطق على دفع الجزية، وتسليم قسمٍ من أراضيهم للمسلمين ليستقروا فيها (٥).


(٢) الغساني، المصدر السابق، ص ١٠٠؛ الرسالة الشريفية، ص ١٩٩.
(٣) الغساني، ص ١٠١.
(٤) انظر: العذري، ص ٦٥ - ٦٧؛ الحِمْيَري، ص ١٩٥.
(٥) الغساني (برواية الرازي) ص ١٠٤.

<<  <   >  >>