للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا استقر البلديون في الأندلس، ووافقت الخلافة الأموية على هذا الاستقرار، بل إن الخليفة الوليد بن عبد الملك، منح، من خمس الخلافة، إقطاعات أخرى لأولئك الذين لم يكونوا راضين عما أصابهم من أراضٍ في الأندلس. وعندما أصبح عمر بن عبد العزيز خليفة في دمشق (٩٩ - ١٠١هـ/٧١٧ - ٧١٩ م) اهتم كثيراً بشؤون المسلمين في الأندلس. ولقد حاول في أول الأمر -تبعاً للسياسة التي سار عليها في المشرق- أن يأمر بالانسحاب الكامل من البلاد. ولما أدرك صعوبة تحقيق مثل هذا الأمر، وجه جل اهتمامه إلى الاعتناء بشؤونها الداخلية. فعين من قبله مباشرة والياً جديداً، وأوصاه أن ينهي المهمة التي ابتدأها موسى بن نصير، وهي تقسيم الأرض، من أجل أن يُحدّد خمس الخلافة. وعندما وصل الوالي الجديد، السمح بن مالك الخولاني، إلى الأندلس مع بعض أتباعه، رفض البلديون أن يسمحوا لأي من هؤلاء القادمين الجدد أن يشاركوهم في أراضيهم. وتوجه وفد منهم إلى دمشق يشكون إلى الخليفة، ويهددون بإخلاء الأندلس، لو حاول أتباع السمح بن مالك الاستقرار في أراضيهم. ولقد حل الخليفة هذه المشكلة، بأن منح أتباع السمح أراضٍ من حصة الخلافة. وأصبح هذا الإجراء، هو الطريقة المثلى لإسكان الجماعات الصغيرة من العرب التي تدخل إلى الأندلس فيما بعد (٦).

استمر السمح بن مالك في إنجاز مهمة تقسيم الأرض، فابتدأ بقرطبة ونواحيها محدداً أحد القصور التي تقع جنوبي المدينة ليكون جزءاً من خمس الخلافة. ولكن روايات أخرى تذكر أن قرطبة كانت قد قسمت في عهد موسى بن نصير، وأن هذه المنطقة التي تقع جنوبيها بالذات، اعتبرت، إضافة إلى مناطق أخرى، ضمن حصة الخلافة (٧). وبناء على أوامر من الخليفة عمر بن عبد العزيز، حول السمح بن مالك المنطقة الواقعة جنوب قرطبة إلى مقبرة عامة للمسلمين (٨). وتذكر المصادر أن السمح أرسل رجالاً ليقوموا بمهمة تقسيم الأراضي في مناطق متعددة أخرى، ولكن لا تتوفر معلومات إضافية عن طبيعة هذه المهام أو نتائجها، ويذكر ابن القوطية، أن الخليفة عمر، أرسل إلى جانب السمح بن مالك رجلاً آخر يدعى جابر، ليتولى مسؤولية تقسيم


(٦) المصدر نفسه، ص ١٠١ - ١٠٢؛ الرسالة الشريفية، ص ٢٠٢ - ٢٠٣؛ وانظر: عبد الواحد طه، الفتح والاستقرار، ص ٢١٤.
(٧) الرسالة الشريفية، ص ٢٠١ - ٢٠٢، ٢٠٤؛ أخبار مجموعة، ص ٢١.
(٨) ابن عذاري: ٢/ ٢٦؛ الرسالة الشريفية، ص ٢٠٧.

<<  <   >  >>