للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكون عليه من الحرمة والاحترام، فتم القضاء نهائياً على تمرد أبناء عمر بن حفصون ودخلت قوات الناصر قلعة ببشتر الحصينة وعمل على ضرب الفلول الأخرى حتى اذعنت إذعاناً تاماً. لهذا كله كانت قوات الدولة العربية في الأندلس مستعدة للردع الوقائي الشديد لأي اعتداء يصيبها من قبل ملك ليون راميرو الثاني الذي تمكن من عرش ليون سنة ٣٢٠ هـ (١٦) وكان معروفاً بعدائه الشديد للدولة العربية وهجماته على مناطق عديدة من الأراضي العربية (١٧)، واستمرت المناوشات بين الطرفين سجالاً تراوحت بينهما عوامل النصر والهزيمة حتى سنة ٣٢٧ هـ (٩٣٩ م) عندما قرر الناصر خوض غمار المعركة الحاسمة وقاد جيشه بنفسه للقاء قوات تحالف الممالك الشمالية بقيادة راميرو الثاني وفي عمق أراضيه.

وواقعة سنة ٣٢٧ هـ/٩٣٩ م أو كما تسمى بواقعة الخندق قد وقعت قرب شنت مانكس (سيمانقة)، وانتهت لصالح التحالف الشمالي بعد أن انسحبت القوات العربية إلى عمق أراضيها، وعلى الرغم من صمت المصادر العربية واختصار الأخرى (١٨) في الكلام على طبيعة الظروف التي أحاطت بقوات الناصر وأدت إلى هذه الهزيمة غير المتوقعة نرى العكس تماماً في بعض المصادر الإفرنجية التي بسطت الكلام والحديث المسهب عن انتصار قوات ليون وحلفائه والمبالغة في جسامة الخسائر التي فقدتها قوات الناصر في ميدان المعركة.

وخير من تعرض لهذه الواقعة من المؤرخين العرب ابن حيان في " مقتبسه " حيث أتى عليها بشيء من التفصيل معتمداً رواية الرازي ونصها: " لما عزم الناصر لدين الله على غزو أعداء الله أهل جليقة ... تقدم في الاستعداد لها قبل أوانها، فجبى وبالغ في حشد أهل الأندلس، وتخطاهم إلى أهل ولايته من أهل الحضر منهم وقبائل البربر البادية، فبث كتبه إليهم يحضهم على الجهاد، ويستنفرهم له، ويرغبهم فيه، ويضرب لهم في التراقي إلى الأندلس في المسير معه موعداً واسعاً، لن يخلفه، ويشدد على عماله في الأندلس في ابتعاث من قبلهم، وتضييق المعاذير عليهم، والاحتفال في


(١٦) خبر تملكه عرش ليون في المقتبس لابن حيان: ٥/ ٣٤٦ و ٣٤٧.
(١٧) ابن حيان: ٥/ ٣٧٩.
(١٨) لم يتعرض ابن عذاري في أحداث سنة ٣٢٧ هـ إلى ذكر موقعة الخندق ينظر: البيان المغرب: ٢/ ٢١٠، أما ابن خلدون فلم يزد عن قوله: " ثم كانت بعدها غزوة الخندق ولم يغز الناصر بعدها بنفسه ". ينظر: العبر ٤/ ١٤٢.

<<  <   >  >>