للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نتيجة تلك الحروب المزيد من الخسائر في الأرواح والمعدات وتدمير مدن وحصون الأطراف المتنازعة، كل ذلك في سبيل الحصول على مكاسب إقليمية من هذه الدويلة أو تلك في الوقت الذي سعى فيه كل طرف من أطراف النزاع إلى التحالف مع أمراء وملوك إسبانيا الشمالية مقابل مبالغ كبيرة من المال، أو مقابل التنازل عن بعض المناطق المهمة (٥١). ومما لا شك فيه فإن هذه الحروب والمحالفات أدت إلى إضعاف هذه الدويلات جميعاً وإن ظهرت الغلبة في فترات لبعضها نتيجة سيطرتها على مناطق واسعة من أراضي الغير.

ففي سنة ٤٥٧ هـ تمكن المأمون من السيطرة على بلنسية، ودخلت قواته في سنة ٤٦٧ هـ مدينة قرطبة بعد أن قضت على حاميتها من بني عباد ودخل الطرفان بعد ذلك في سلسلة من المنازعات انتهت باستعادة بني عباد لمدينة قرطبة ثم أعاد المأمون الكرة تارة أخرى ودخلها سنة ٤٦٧ هـ (٥٢).

وقد أصبحت دولة طليطلة في عهد المأمون من الدويلات المرهوبة الجانب، وامتد نفوذها حتى وصل إلى بلنسية شرقاً، واهتم المأمون بعمائر المدينة فبنى قصوراً اشتهرت بفخامتها وروعتها أطنب المؤرخون في وصفها وأكثر الشعراء من التغني بمجالسها (٥٣).

توفى المأمون سنة ٤٦٧ هـ وتولى الأمر بعده حفيده: يحيى بن ذي النون الملقب بالقادر، وتعد سنوات حكمه فترة اختلال سياسي واضمحلال لقوى هذه الدويلة فقد أبعد القادر عن دست الحكم كل شخصية عرفت بسداد الرأي وصدق المشورة ومنهم الوزير ابن الحديدي (٥٤)، الذي أبعده عن الوزارة ثم قتله سنة سنة ٤٦٨ هـ، وأمام ضغط قوات بني حمود التجأ القادر إلى طلب العون من ألفونسو الذي قرر شروطاً باهظة مقابل ذلك العون، فبالإضافة إلى المبالغ الكبيرة، تنازل القادر عن حصون مهمة كحصن سرية وقثورية وقنالش، مما أضعف مركزه كثيراً وازداد اضطرابه عندما اضطربت طليطلة بالثورة، واضطر إلى مغادرتها والالتجاء إلى حصن وبذة سنة ٤٧٢ هـ واستدعى أهل طليطلة المتوكل بن الأفطس حاكم بطليوس ليتولى إدارة المدينة فقدمها مكرهاً، ولم


(٥١) ابن عذاري: ٣/ ٢٧٩ و ٢٨١.
(٥٢) ابن بسام: ق ٢ ج ١: ٢٦٨. وينظر: عنان، دول الطوائف: ١٠٢ وما بعدها.
(٥٣) ابن بسام ق ٤ ج ١: ١٤٧ وما بعدها.
(٥٤) هو: يحيى بن سعيد بن أحمد أحد علماء طليطلة المشهورين. ترجمته في الصلة لابن بشكوال: ٦٦٩. وعن مقتله ينظر: ابن بسام: ق ٤ ج ١: ١٥٢.

<<  <   >  >>