للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالله، وإجلاء من تبقى من المروانية عن قرطبة، وأعلن الوزير أبو الحزم بن جهور إلغاء الخلافة وأصبح الأمر شورى فظهرت حكومة الجماعة في قرطبة (١٤)، ثم قامت دويلات الطوائف في سائر أنحاء الأندلس.

لا ينكر أن معظم ملوك الطوائف كانوا في قرارة أنفسهم يتطلعون إلى الخلافة، فقد كان كل واحد منهم يود أن يصل إليها (١٥)، وأن تتجمع له الصفات المعنوية التي كان يتمتع بها الخلفاء الأمويون، إلا أنه لم يجرأ أحدهم على ذلك، ولو أنهم تلقبوا بألقاب الخلفاء. فنرى مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية ينصب (أبا عبد الله بن عبد الله بن الوليد ويعرف بالمعيطي وهو من بني أمية) (١٦). شبه خليفة، وسماه بأمير المؤمنين المستنصر بالله (١٧).

كما قام الحاجب إسماعيل بن عباد بإرسال الرسل إلى جميع أنحاء الأندلس يطلب الدخول في طاعة الخليفة المزعوم (هشام المؤيد) الذي اختلفت الروايات في مصيره.

وقد استجاب لذلك الكثير من ملوك الطوائف أمثال: مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية، وعبد العزيز بن أبي عامر صاحب بلنسية، وأبي الحزم جهور صاحب قرطبة، وبني ذي النون ملوك طليطلة (١٨).

ولعل هذه الظاهرة التي سمتها بعض المراجع بـ (وهم الخلافة) يقصد بها وجود خليفة يتمتع ظاهرياً بنوع من القوة والنفوذ وذلك إرضاء لعامة أهل الأندلس الذين ما زالوا يذكرون الأوقات الطيبة عن الخلافة الأموية، هذا إلى جانب المظاهر الروحانية والدينية التي تحيط بالخلافة. فقد كان للخليفة وحده حق الإمامة والزعامة الدينية، لذلك لم يكن من السهل على أكثر أمراء الطوائف أن يحتلوا مكان الخليفة، لأنهم كانوا مجرد حكام صغار لا ينحدرون من سلالات معروفة تتناسب مع وقار الخلافة وهيبتها (١٩).

وقد وجهت انتقادات لاذعة لأمراء الطوائف الذين اتخذوا ألقاب الخلفاء استكمالاً لمظاهر السلطان والعظمة (٢٠)، وقد أشار إلى ذلك الشاعر (أبو علي الحسن بن رشيق) بقوله:


(١٤) عنان، دول الطوائف، ٢٢.
(١٥) السامرائى، علاقات، ٤٠ وما بعدها.
(١٦) ابن بشكوال، الصلة، ج ١، ص ٢٦٩ ترجمة رقم (٥٩٣).
(١٧) ابن الأثير، الكامل، ج ٩، ص ٢٨٠.
(١٨) ابن عذاري، البيان، ج ٣، ص ٢٧٨ - ٢٧٩ - عنان، دولة الطوائف، ص ٩٩.
(١٩) تشراكوا، مجاهد العامري، ص ٤٠ - السامرائي، علاقات، ص ٤٦ - ٤٧.
(٢٠) عنان، دولة الطوائف، ص ١٤ - ١٥.

<<  <   >  >>