للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العزيز ليكون والياً للأندلس بدلاً من الحر بن عبد الرحمن الثقفي، لنزاهته وشدة إيمانه. وما أن استقر السمح في الولاية وقضى على بعض الاضطرابات الداخلية، وأصلح الأمور الإدارية، وقام ببعض الاصلاحات العمرانية (١٥)، حتى بادر بالنهوض إلى الفتح والجهاد في جنوب فرنسا، وذلك من أجل توحيد طاقات العرب والمسلمين في الأندلس مرة أخرى وتوجيهها نحو الأعداء في بلاد الفرنجة.

شرع السمح بسلسلة من الحملات والفتوح في غالة، فسار بجيش كبير عبر منطقة سرقسطة، واجتاز جبال ألبرت إلى أن أصبح أمام أربونة عاصمة ولاية سبتمانية، فحاصرها وافتتحها عنوة. ثم حصّن أسوارها ووضع فيها وفي المدن المجاورة لها الحاميات. ثم توغل من هذه المدينة إلى داخل غالة حتى وصل إلى طولوشة Toulouse. وفي محاولة لافتتاح هذه المدينة بالقوة، أحاطها المسلمون بالخنادق والمنجنيقات وسائر أدوات الحصار، حتى أوشك أهلها على التسليم. وعندما سمع الدوق أودو Eudo، دوق أكيتانية، بهذا سار مسرعاً نحو المدينة، واشتبك مع الجيش العربي الإسلامي في معركة حامية بالقرب من مدينة طولوشة، أسفرت عن هزيمة السمح واستشهاده مع الكثير من رجاله (يوم عرفة سنة ١٠٢هـ/١٥ حزيران ٧٢١ م). وقد استطاع مساعده، القائد عبد الرحمن الغافقي، أن يقود فلول الباقين من الجيش الإسلامي ويرجع بهم إلى أربونة، ومن ثم إلى الأندلس (١٦). وعلى أثر هذه الهزيمة تشجع أهالي المنطقة لخلع طاعة العرب، لكن هؤلاء كانوا لا يزالون متمكنين من أربونة، وقد جاءتهم نجدات من الأندلس، فثبتوا في المناطق التي تم فتحها على يد السمح بن مالك (١٧).

وظلت أربونة قاعدة للفتوح والجهاد في جنوب فرنسا، ولعل قربها من البحر وسهولة تلقي المسلمين الإمدادات عن طريق الأساطيل بدلاً من عبور جبال ألبرت، هو الذي


(١٥) أخبار مجموعة، ص ٢٤؛ فتح الأندلس، ٢٥؛ ابن عذاري، ج ٢، ص ٢٦.
(١٦) راجع عن فتوحات السمح: فتح الأندلس، ص ٢٥، ابن عذاري، ج ٢، ص ٢٦، المقري، ج ١، ص ٢٣٥،ج ٣، ص ١٥.
The Chronicle of ٧٥٤, p. ١٥٢ (no. ٤٨) ; M. Rinaud, "Incursions of the Muslims into
France, Piedmont and Switzerland", translated from the French by: Harun Khan
Sherwani, Islamic Culture, IV, ١٩٣٠, pp. ٢٦١-٢٦٣.
وانظر: ترجمة عربية لبعض نصوص رينو ينقلها شكيب أرسلان، في كتابه تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط، مصر، ١٣٥٢هـ، ص ٦٤ - ٧١.
(١٧) المرجع نفسه، نقلاً عن رينو، ص ٧٢.

<<  <   >  >>