للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن نفسها. ويقابل هذا العامل من الناحية الثانية، تكتل الإمارات في غالة، واستماتتها في الدفاع والوقوف أمام المسلمين. هذا فضلاً عن معرفة الافرنج للمواقع وطبيعتها ودروبها، وتعودهم على القتال في جوها المطير الشاتي وأرضها الموحلة، وتلالها الوعرة. يضاف إلى ذلك، أنه كان من السهل عليهم الحصول على الامدادات من كل نوع، وهذه أمور أساسية حُرم منها جيش عبد الرحمن الغافقي بعد توغله العميق في فرنسا (٤٥).

أما ما يقال عن الخلاف بين صفوف الجيش، والنزاع بين عناصره المؤلفة من العرب والبربر، فلا يتوفر لدينا ما يشير إليه من قريب أو بعيد، اللهم إلا في الروايات المسيحية التي تبني حول قصة منوسة كثيراً من الأحداث الملفوفة بالأساطير. ولكن المتمعن في تكوين عناصر الجيش الذي قاده عبد الرحمن الغافقي، يلاحظ أنه كان يتألف من أغلبية من البربر الذين كانوا مستقرين في منطقتي الأشتوريش وجبال ألبرت.

وبالإمكان التوصل إلى هذا الاستنتاج من حقيقة اتخاذ الغافقي لمدينة بنبلونة مركزاً لتجميع جنده. وكان هناك أيضاً الكثير من العرب في هذا الجيش، لا سيما القبائل اليمنية في منطقة سرقسطة والثغر الأعلى. ولكن البربر شكلوا الأغلبية، وكانوا، كما أسلفنا، برفقة أسرهم. وقد أرهق هذا الموقف الجيش، وقلل من قابليته على المناورة.

ولم يكن باستطاعة الغافقي، الذي كان على علم بهذا الموقف، أن يقوم بعمل أي شيء بسبب رغبة رجاله الشديدة لحماية أسرهم. وهذه الحقيقة بالذات كانت هي السبب في ضعف موقف المسلمين، وليس تلهفهم على الغنائم، كما تحاول أن تصور ذلك بعض الروايات المسيحية (٤٦). وقد أدرك الفرنجة نقطة الضعف هذه في جيش المسلمين.

ولهذا ففي أثناء الموقعة الفاصلة، هاجمت كتيبة من جيش الفرنجة -ربما كانت بقيادة دوق أكيتانية- مؤخرة مخيم المسلمين الذي كان يضم نساءهم وأطفالهم (٤٧). وما إن سمع المسلمون بهذا، حتى ترك الكثير منهم مواقعه، وذهب ليدافع عن أهله وأولاده.

وكان هذا بداية لاختلال النظام في صفوفهم، وعاملاً رئيساً لهزيمتهم في المعركة (٤٨).


(٤٥) انظر: علي المياح، "العوامل السوقية والتعبوية وأثرها على الفتوحات العربية الإسلامية في فرنسا"، مجلة الجمعية الجغرافية العراقية، بغداد، ١٩٦٩، م ٥، ١٢٩؛ عبد الرحمن الحجي المرجع السابق، ص ١٩٦.
(٤٦) (تاريخ غزوات العرب، ص ١٠٠ - ١٠١). See: Reinaud, op. cit., pp. ٤٠٠-٤٠١
(٤٧) ( تاريخ غزوات العرب، ص ١٠١). Ibid., p. ٤١
(٤٨) عبد الواحد طه، الفتح والاستقرار العربي الإسلامي في شمال أفريقيا والأندلس، ص ٣٤٧؛ =

<<  <   >  >>