للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واضطرته الظروف إلى الهرب. وبعد صعوبات بالغة استطاع الوصول إلى فلسطين، حيث التحق به مولاه بدر، ومولى أخته، سالم أبو شجاع. وكان الأخير، الذي يحتمل أن يكون من أصل بيزنطي، حسن المعرفة والاطلاع على مناطق شمال أفريقيا والأندلس، لأنه كان قد دخلها مع موسى بن نصير أو بعده، وشارك في بعض حملات الصوائف في الأندلس (٣). وقد غادر عبد الرحمن ورفيقاه إلى مصر، ومنها إلى أفريقية، أي تونس الحالية، حيث لم تكن سلطة العباسيين قد اعترف بها بعد هناك. وكان العديد من اللاجئين من أفراد البيت الأموي قد ذهبوا أيضاً إلى أفريقية. ولكن هذا المكان لم يكن ملائماً جداً للجوء، لأنه كان يحكمه عبد الرحمن بن حبيب الفهري، الذي لم يعترف بسلطان العباسيين، وكان يحاول الاستقلال بالحكم، والتطلع إلى تحويل أفريقية إلى إمارة وراثية لأولاده. ولهذا السبب فقد أصبح قلقاً جداً لوجود العديد من الأمراء الأمويين في بلاده. فدبر قتل ابني الخليفة الوليد بن يزيد، كما قرر إبادة الآخرين، لكن عبد الرحمن نجح في الهرب غرباً حيث طلب الأمان بين قبائل البربر (٤).

تنقل عبد الرحمن في شمال أفريقيا من مكان إلى آخر ما يقرب من خمس سنوات، فأقام أولاً عند قبيلة مكناسة البربرية في موضع يقال له باري. ثم غادر غرباً حيث حصل على تأييد بربر قبيلة نفزة، وهم أخواله، حيث كانت أمه نفزية كما أسلفنا. وقد نجح أيضاً في الحصول على حماية قبائل بربرية أخرى كبيرة في المنطقة، مثل زناته ومغيلة. وعمل أحد زعماء هذه القبيلة الأخيرة، وهو أبو قرّة، أو ابن قرّة وأنسوس المغيلي، على التستر عليه أثناء إقامته الأخيرة في شمال أفريقيا (٥).

التفكير في العبور إلى الأندلس:

ويبدو أن تفكير عبد الرحمن في ولاية الأندلس ابتدأ عندما كان مقيماً بالقرب من ساحل طنجة عند قبيلة مغيلة البربرية، وكان عبد الرحمن بصفته أحد أفراد البيت الأموي، يعرف ما يجري في الأندلس، ولا بد أن يكون سالماً، مولى أخته، قد حدثه أيضاً عن هذا البلد الواسع وخيراته الكثيرة. يضاف إلى ذلك، الأخبار التي كانت تتوارد


(٣) أخبار مجموعة، ص ٥٥ - ٥٦.
(٤) نفس المصدر، ص ٥٤ - ٥٥.
وقارن: أحمد بدر، دراسات في تاريخ الأندلس وحضارتها، ص ٧٥ - ٧٦.
(٥) ابن القوطية، ص ٢١؛ أخبار مجموعة، ص ٥٥، ٧٤.

<<  <   >  >>