للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم وأهله؛ لأنهم أعظم الناس مرتبة وفضلًا عند الله بعد الأنبياء؛ فكان لزامًا أن يكونوا كذلك عند الناس إلا من جهل ذلك، أو عاند فيه.

وما أجمل قول المأمون في هذا (كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى): فليس يكبر الرجل وإن كان كبيرًا عن ثلاث: عن تواضعه لسلطانه، ووالده، ومعلمه العلم.

يقول الأصمعي:

أرسل إليَّ هارون ولده لكي أعلمه، فرآه يومًا يتوضأ ويغسل رجله، وابن الخليفة يصب الماء على رجله، فعاتب الأصمعي في ذلك، وقال إنما بعثته إليك لتعلمه وتأدبه، فلماذا لم تأمره بأن يصب الماء بإحدى يديه، ويغسل بالأخرى رجلك (١).

قال أبو معاوية الضرير:

صَبَّ عليَّ بعد الأكل شخصٌ لا أعرفه، فقال الرشيد أتدري من يصب عليك؟ قلت: لا، قال: أنا. إجلالًا للعلم (٢).

ومن ذلك أيضًا: أنَّ المأمون كان قد أرسل ابنيه إلى الفراء، فلما كان الفراء يريد أن ينهض إلى بعض حوائجه فابتدرا إلى نعل الفراء ليقدمانه، فتنازعا أيهما يقدمه، فاصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما


(١) تعليم المتعلم طريق التعلم للزرنوجي (ص ٨٢) ط المكتب الإسلامي.
(٢) تاريخ بغداد (١٤/ ٨)، سير أعلام النبلاء (٩/ ٢٨٨)، المنتظم لابن الجوزي (٨/ ٣٢٣).
أبو معاوية الضرير = هو الإمام الحافظ أبو معاوية محمد بن خازم الكوفي، توفي سنة ٢٩٥ هـ.

<<  <   >  >>