ووفق ما سبق ذكره يتضح أن مدلول الصحبة اللغوية لا يمكن انطباقه على الصحبة الشرعية ولا يمكن تعريفها طبقاً له، إذ لو كان (الصحابي) يُعرّف بالتعريف اللغوي للصحبة وفق الاستخدامات التي مرت، لكنّا نحن جميعاً في عداد الصحابة، ولكان اليهود والمنافقون والنصارى والمشركون الذين لقوا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كذلك من باب أولى، إذ لا يشترط في اللغة للفظ المصاحبة اللقاء المستمر والإيمان بالله والموت على ذلك.
ومن ذلك على سبيل المثال نذكر قصة تطاول المنافق عبد الله بن أبي بن سلول على... النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وطلب عمر - رضي الله عنه - من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يأذن له بضرب عنقه، فقال له - صلى الله عليه وآله وسلم -: (دعه؛ لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)(١).
فالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذكر الصحبة للمنافق في هذا الحديث، لكنه قصد الاستعمال اللغوي لا الاصطلاحي، وهذا من بلاغته - صلى الله عليه وآله وسلم - وحكمته، وفق ما تعارف عليه العرب في لغتهم، ولم يكن هناك من محظور في فهم الإطلاق اللغوي، وذلك لأمرين:
الأول: أن الإطلاق اللغوي لا يقصد منه التفريق بين الإيمان والنفاق؛ لأنه ليس له ضابط.
الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال عن سبب منع عمر - رضي الله عنه - عن قتله للمنافق:(حتى لا يتحدث الناس)، والناس المشار إليهم هنا هم فئة ليست من الصحابة وفقاً للمصطلح الشرعي؛ لأن القرآن حينما خاطب أهل الإيمان كان يخاطبهم بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وحينما كان يوجه الكلام للكفار أو لعموم الناس مؤمنهم وكافرهم كان خطابه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ}.
(١) شرح أصول الكافي/ مولى محمد سالم المازندراني: (١٢/ ٤٨٧). وانظر: الصحيح من السيرة/ السيد جعفر مرتضى: (٦/ ١٦٣).