ثانياً: بداية الفتنة بين الصحابة - رضي الله عنهم -:
إن وقوع الفتن والقتال بين صحابة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنما حصل بعد الانتهاء من المؤامرة التي أوقدها عبد الله بن سبأ اليهودي نتيجة نشره الحقد وبثه السموم بين الجهلة وضعاف الإيمان من مسلمة الأمصار، وقد أتت هذه المؤامرات بثمارها الخبيثة والتي قطفها الأوباش بالخروج على خليفة المسلمين عثمان بن عفان وقتله في داره.
وازداد الأمر سوءاً بعد استشهاد عثمان - رضي الله عنه -، فانتشرت جراثيم الشر في صفوف المسلمين لتنفث سمومها، ذلك أنه لما بويع علي - رضي الله عنه - خليفة على المسلمين اندس هؤلاء الخوارج السبئيون بين صفوف أهل المدينة وجيش المسلمين، ولم يكن بمقدور أمير المؤمنين علي في وقتها إخراجهم وتصفيتهم، والأخذ بالثأر منهم في قتلهم لخليفة المسلمين عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، خشية تفاقم الفتن والقتلى بين أهل المدينة، مثلما فعل الخليفة المظلوم عثمان - رضي الله عنه -.
ولما طالبه أهل المدينة بمعاقبة من أجلب على عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الشر، قال لهم أمير المؤمنين: (يا إخوتاه! إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف لي بقوة والقوم المجلبون على حد شوكتهم يملكوننا ولا نملكهم، وهاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، والتفت إليهم أعرابهم، وهم خلالكم ما شاءوا، وهل ترون موضعاً لقدرت على شيء تريدونه؟ إن هذا الأمر أمر جاهلية، وإن لهؤلاء القوم مادة - أي: عوناً - إن الناس من هذا الأمر - إذا حرك- على أمور: فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك، فاصبروا حتى يهدأ الناس، وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق مسمحة -أي: ميسرة- فاهدءوا عني، وانظروا ماذا يأتيكم به أمري، ولا تفعلوا فعلة تضعضع قوة وتسقط منه وتورث وهناً