للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أرجاء الأرض، وكان المسلمون يؤذون بمكة، ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله، وهم صابرون على الأذى متجرعون لمرارة البلوى، وقد... اتبعوه - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو وحيد فرد في أمره، مقهور مغلوب وأهل الأرض يد واحدة في عداوته.

وقد هاجر بعض المسلمين وتركوا ديارهم وأموالهم، وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والسؤدد في قومهم حباً لله ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

وهذا كله إنما فعلوه طوعاً واختياراً ورغبة تدل على أن الإيمان في قلوب هؤلاء كان راسخاً رسوخ الجبال الراسية لا تؤثر فيه حالة الضعف والعوز، فكيف سيكون إيمانهم بعد ظهور الإسلام وانتشار راياته؟! وصاروا هم أهله والأعِزَّةُ وغيرهم الذليل، فما الذي حملهم على معصية الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما بعد، وهم يعلمون أن مخالفة أمره كُفر بربهم، ورجوع عن دينه؟! فهل يعقل أن يطيع المهاجرون والأنصار جميعهم أبا بكر - رضي الله عنه - في الكفر بالله! ويتركوا اتباع قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهم الذين خرجوا من ديارهم يبتغون فضلا من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله؟!

ثالثاً: كيف يكون يسيراً على النفس الإقدام على الحكم بكفر الصحابة وردتهم، مع أن الإمام علياً - عليه السلام - وهو العالم الفقيه، لم يكفر أحداً ممن قاتله من أهل الجمل وصفين، ولم يسبِ ذرية أحد منهم ولم يغنم أموالهم، لكنه كان من أبعد الناس عن ذلك، وهذا مع من قاتله فكيف بمن لم يقاتله.. كأبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم؟!

بل إنه لم يحكم على هؤلاء بحكم المرتدين، مثلما حكم أبو بكر - رضي الله عنه - وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين، وكان - عليه السلام - ينادي المنادي في يوم الجمل ويقول له: (لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا تكشف عورة، ولا يهتك ستر!) (١).


(١) انظر: مستدرك الوسائل: (١١/ ٥٢)، بحار الأنوار: (٣٢/ ٢٥٢).

<<  <   >  >>