تبارك وتعالى قال في نهاية الآية الأولى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)} [الفتح: ٢٩]، وقال تعالى في الآية الثانية:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}[التوبة: ١٠٠].
فلفظ:(منهم) و (من) في الآيتين، يعني: من بعضهم، وليس جميع الصحابة.
ولبيان ذلك اللبس في الفهم، نبين الأمور الآتية:
أولاً: أن الله تبارك وتعالى بيَّن أن في كتابه آيات محكمات -أي: صريحة- لا تأويل فيها ومن حاول أن يعبث في تأويلها فسينفضح أمره، وينكشف زيفه وتخبطه.
ومنها آيات متشابهة، أي: فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم. فالأصل في ذلك رد المتشابه إلى المحكم، فمن فعل ذلك اهتدى، ومن عكس انعكس مع أن هذه الآية ليست من المتشابه بل هي محكمة والتحريف وقع على معنى الآية، وفسرت بتفسير لا يمكن قبوله لعدم مراعاته قواعد الشرع واللغة.
ثانياً: أن كلمة: (منهم) في قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٢٩)} [الفتح: ٢٩] وكلمة: (من) في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}[التوبة: ١٠٠] ليست للتبعيض كما يتوهم البعض، وإنما جاءت في هاتين الآيتيين على أحد معنيين:
المعنى الأول: أن (من) بمعنى: من جنسهم، ومن أمثالهم.
وهذا كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ