للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خُزَاعَةَ إِلَى مطعم بن عدي: أَدْخُلُ فِي جوارك "؟ فقال: نعم. فدعا بنيه وقومه، وقال: الْبِسُوا السِّلَاحَ، وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ، فَإِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا. فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحِرَامِ، فَقَامَ المطعم عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَنَادَى: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا، فَلَا يَهِجْهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ. فَانْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرُّكْنِ، فَاسْتَلَمَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَانْصَرَفَ إِلَى بيته ومطعم وَوَلَدُهُ مُحْدِقُونَ بِهِ بِالسِّلَاحِ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ.

[فصل في الإسراء]

فَصْلٌ ثُمَّ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَسَدِهِ -عَلَى الصَّحِيحِ -مِنَ الْمَسْجِدِ الحرام إلى البيت المقدس راكبا على البراق صحبة جبرائيل، فَنَزَلَ هُنَاكَ، وَصَلَّى بِالْأَنْبِيَاءِ إِمَامًا، وَرَبَطَ الْبُرَاقَ بحلقة باب المسجد، وقيل: إنه نزل بيت لحم، ولا يصح عنه ذلك الْبَتَّةَ. ثُمَّ عُرِجَ بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ لَهُ جبرائيل، ففتح لهما، فرأى هناك آدَمَ أَبَا الْبَشَرِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَرَحَّبَ بِهِ، وَأَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ، وَأَرَاهُ اللَّهُ أرواح السعداء من بنيه عَنْ يَمِينِهِ، وَأَرْوَاحَ الْأَشْقِيَاءِ عَنْ يَسَارِهِ. ثُمَّ عرج به إلى السماء الثانية، فرأى فيها يحيى وعيسى، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَرَأَى فيها يوسف، ثم إلى الرابعة، فرأى فيها إدريس، ثم إلى الخامسة، فلقي فيها هارون، ثم إلى السادسة، فرأى فيها موسى، فلما جاوزه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يدخلها من أمتى. ثم إلى السابعة، فلقي فيها إبراهيم، ثم رفعت له سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، ثُمَّ رُفِعَ لَهُ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ جَلَّ جَلَالُهُ، فَدَنَا مِنْهُ حَتَّى كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى (١) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. وَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعَ حَتَّى مَرَّ على موسى فقال: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: بِخَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: إِنَّ أمتك لا يطيقون ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف


(١) الآيات الواردة في (سورة النجم) صريحة في أن التدلي والدنو كان من جبريل عليه السلام كما قالت عائشة وابن مسعود، وليس من الله تعالى كما جاء في حديث شريك هذا الذي نقله المصنف عنه، وقد عد الحفاظ ذلك من جملة ما تفرد به شريك من شذواته ومنكراته، وانظر بسط ذلك في " الفتح " ١٣ / ٤٠٢، ٤٠٥.

<<  <   >  >>