مجازات، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ تَسْمِيَةَ شبه المتكلمين قَوَاطِعَ عَقْلِيَّةً، فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَمْ حصل بهاتين التسميتين من إفساد الدين والدنيا! ومنها أن يحدث الرجل بما يكون بينه وبين أهله كَمَا يَفْعَلُهُ السَّفَلَةُ. وَمِمَّا يُكْرَهُ مِنَ الْأَلْفَاظِ: زعموا، وذكروا وقالوا، ونحوه، وأن يقال للسلطان: خليفة الله؛ فإن الخليفة إنما يكون عن غائب، والله سبحانه خليفة الغائب في أهله. وليحذر كل الحذر من طغيان " أنا " و " لي " و " عندي " فإن هذه ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون فـ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}[الأعراف: ١٢] لِإِبْلِيسَ، وَ {لِي مُلْكُ مِصْرَ}[الزخرف: ٥١] لفرعون، و {عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}[القصص: ٧٨] لقارون، وأحسن مما وُضِعَتْ " أَنَا " فِي قَوْلِ الْعَبْدِ: أَنَا الْعَبْدُ المذنب المستغفر المعترف، ونحوه، و " لي " فِي قَوْلِهِ: لِيَ الذَّنْبُ، وَلِيَ الْجُرْمُ، وَلِيَ الفقر، والذل، و " عندي " فِي قَوْلِهِ: «اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي» .
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجهاد والغزوات]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجهاد والغزوات لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام، وَمَنَازِلُ أَهْلِهِ أَعْلَى الْمَنَازِلِ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا لهم الرفعة في الدنيا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذِّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنْهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى أَنْوَاعِهِ كُلِّهَا، فَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ بِالْقَلْبِ وَالْجِنَانِ، وَالدَّعْوَةِ وَالْبَيَانِ، وَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ، وَكَانَتْ سَاعَاتُهُ موقوفة على الجهاد؛ ولهذا كان أعظم العالمين عند الله قدرا. وأمره تعالى بالجهاد من حين بعثه، فقال:{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[الفرقان: ٥٢](١) . فهذه سورة مكية أمره فيها بالجهاد بالبيان، وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بالحجة وهو أَصْعَبُ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ جِهَادُ خَوَاصِّ الْأُمَّةِ، وَوَرَثَةِ الرُّسُلِ، وَالْقَائِمُونَ بِهِ أَفْرَادٌ فِي العالم، وَالْمُعَاوِنُونَ عَلَيْهِ -وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْأَقَلِّينَ عَدَدًا- فهم الأعظمون قَدْرًا. وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ قَوْلُ الحق مع شدة المعارض مثل أن يتكلم به عند من يخاف سطوته، كان للرسل صلوات الله وسلامه عليهم من ذلك الحظ الأوفر، وكان له صلى الله عليه وسلم من